17‏/06‏/2023

 اسرائيل لم تكن يوما، ولن تكون بفعل الاحتجاجات "دولة دمقراطية"!

 

 محمد زيدان – ناشط حقوقي وصحفي.

اسرائيل كدولة ونظام جاءت تجسيدا ماديا للفكر الصهيوني وقامت عمليا على قاعدة الاستعلاء والتفضيل العنصري الذي يمثل جوهر الفكر الصهيوني، الذي نشا في اوروبا،(كما الاستعمار الغربي لشعوب العالم)  وفرضت نتائجه  الاستعمارية الكارثية على الشعب الفلسطيني.

ويحمل جوهر فكرة "الدولة اليهودية" قيما عنصرية بمفرداتها وقوانينها وممارساتها، ويقوم على التفوق العرقي / الديني (اليهودي) على "الاغيار (الغوييم – الأغيار او غير اليهود)، ورغم ان الفكرة قامت على تعابير ومفردات دينية لكنها حملت ترجمات سياسية وقانونية منذ التطهير العرقي لفلسطين عام 1948 وفي ممارسات الحكم العسكري الذي رسخ فكرة الابرتهايد وتطبيق القانون وفق الانتماء القومي / الديني على اليهود و "غير اليهود". وبقيت عناصر هذا التمييز وتبعاته مستمرة في الفترة التي تلت انهاء الحكم العسكري، وظاهرة للعيان رغم محاولات تغليفها بحقوق مدنية واساسية لم تتجرأ على المساس بالجوهر القانوني الذي فرضته تطبيقات "الدولة اليهودية بالفعل. (سياسة مصادرة الاراضي، قوانين وسياسات التهويد، قانون العودة وغيرها)

وجاء احتلال باقي الاراضي الفلسطينية عام 67 ليوسع من نطاق الاستعمار والفصل العنصري وممارساته المنافية لكل ما هو ديمقراطي ومخالفة لقواعد القانون الدولي على انواعه لتصل حد تطوير نظام قانوني واضح المعالم في فلسطين التاريخية بين النهر والبحر على شكل نظام ابرتهايد وتطبيق قوانين وسياسات تفرضها على الشعب الفلسطيني، وتتحكم بها اسرائيل وفق احتياجاتها الامنية والسياسية.

القضاء جزء من منظومة القمع :

ووفق تلك الاحتياجات نرى ان السلطة والسيطرة الاسرائيلية وضعت انظمة قضائية واجراءات امنية وقرارات سياسية (بتسميات مختلفة) برزت بأشكال تحكم مختلفة على قطاع غزة الذي ابقت بيدها التحكم الفاعل والكامل بالحصار المفروض عليه، وسياسات التحكم وانظمة التمييز والاقتلاع ضد الفلسطينيين من اهل القدس المحتلة، فيما تم تقسيم الضفة لثلاث مناطق تملك فيها اسرائيل كل الصلاحيات الامنية ، وتركت في جزئها الاصغر بعض الصلاحيات المدنية لسلطة "تحكم" الناس دون ان تملك أي صلاحيات مستقلة فعلية على الأرض، بالإضافة الى ابقاء مساحة الصلاحيات الاساسية والكبرى "للإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، لتخطط للاستيطان المتزايد، وتهدم للفلسطينيين وفق احتياجات خارطة الاستيطان التي ترسمها وتحددها شهوة التوسع  وبرامج "الدولة اليهودية".

وطورت اسرائيل نظاما قانونيا يقوم على التمييز والعنصرية داخل فلسطين 48 بين اليهود والعرب (قانوني مباشر، مثل العودة وحق المواطنة – وقانوني غير مباشر مثل سياسات التهويد، ولجان القبول وتوزيع الارض. وتمييزا مؤسساتيا مثلما يحصل في الميزانيات وتوزيع الموارد، وممارسات الشرطة ومؤسسات الدولة المختلفة).

ومن اجل تنظيم سيطرتها ونظامها العنصري طورت جهازا قضائيا متطورا يمثل "الدرع الواقي للدولة" (كما اسماه بعض المدافعين عن النظام القضائي)، ومجموعة من القوانين والسياسات التي فتحت مجال التقاضي امام المؤسسات القضائية  في حدود قبول التفوق العرقي واللعب في ملعبه ووفق قواعده المرسومة (المتاحة امام كل المساحة الجغرافية التي يتحكم النظام بها)، مع وضع ضوابط قانونية لضمان بقاء السيطرة الفعلية لدولة اليهود، وحماية مصالحها الامنية والسياسية الاستراتيجية، حتى في الحالات التي تم تحقيق "بعض الفوز" التكتيكي في بعض القضايا المتعلقة بالحقوق المدنية والادارية .

الفاشية أكبر من بن جفير وسموطرتش:


استندت كل الممارسات والقوانين العنصرية الى رأي عام ينحو منذ عقود الى اليمين، وحتى اليمين الفاشي بخطوات شعبوية متسارعة وواضحة. تمثل نتائج الانتخابات دليلا واحداً عليها، وكانت تمر محطاتها بسيطرة تدريجية لليمين الفاشي والتيارات الدينية الاستيطانية والصهيونية - على انواعها - على مفاتيح الحكم  ومؤسساته في الدولة، والتي هيئت الظروف والمناخ (خلال عدة عقود) لنشوء قاعدة شعبية شعبوية جلبت الحكومة الحالية للحكم، والتي تعتبر التمثيل الافضل والحقيقي للواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي اليوم.

مع التذكير الى ان انتخابات نوفمبر الماضي كانت خامس جولة انتخابية، جاءت بعد ثلاث جولات فشلت نتائجها بالسماح لأي من الأطراف تشكيل ائتلاف حكومي رغم فوز اليمين بغالبيتها - بسبب الانقسامات الحاصلة داخل "معسكر اليمين" ،  فيما ادت الانتخابات الرابعة لانجاب حكومة هجينة مثلت "طفرة" وحالة مؤقتة كمحاولة لإنقاذ اسرائيل من ذاتها ومن تبعات ازمتها – وفق تصريحات قياداتها- وجمعت الحركة الاسلامية مع  بينت مدير مجلس الاستيطان، وشكيد حلفاء سموطرتش في تلك الجولة الانتخابية، وليبرمان وجانتس مع ميرتس والعمل.

وجاءت حكومة نتنياهو السادسة لتعيد المسار الذي دخلته اسرائيل وتعزيز استمرار اليمين إحكام سيطرته على مفاتيح السلطة، الذي ترسخ منذ اواسط السبعينات، واعادته الى مساره الأصلي بعد ان حقق سيطرة ملحوظة في الحكومة والكنيست، ومشاركة في مؤسسات الجيش، والاعلام، والمجتمع المدني، ونجاحه في احداث تغييرات بارزة في تركيبة المحكمة وتمثيل التيار اليميني المحافظ، وحتى الاستيطاني، في المحاكم والجهاز القضائي (عبر صفقات نجحت وزيرة القضاء شكيد بعقدها مع رئاسة المحكمة العليا في لجنة تعيين القضاة- حينها).

لقاء المصالح:

ويبدو ان اللحظة السياسية التي حملت رئيس حكومة يواجه ملفات فساد ورشاوى مع وزراء من "شبيبة التلال" مدانين بدعم الارهاب، واخرين سجناء بتهم الفساد، جمعتهم بتيارات لديها حسابات مفتوحة مع "الوضع القائم"، وترى بالحكومة الحالية (حكومة "يمين كامل")، باعتبارها فرصة تاريخية لتغيير قوانين اللعبة للابد، وفق رؤيتها السياسية وخدمة لمصالحها ومصالح قياداتها وبرامجها. فالصهيونية الدينية، تريد "حسم الصراع" على الضفة الغربية قانونياً وانهاء امكانيات طرح حل الدولتين فعلياً، بعد أن حسمته بالاستيطان على أرض الواقع؛ والأحزاب الدينية الحريدية تريد فرض بعض قواعد "دولة الشريعة" الدينية، وتوسيع مساحة سيطرتها على الحيز العام؛ وزيادة الميزانيات للمدارس الدينية الحريدية، ومنع تجنيد اتباعها، وبِن غفير يريد تطبيق قواعد اللعبة التي تربى عليها في شبيبة كهانا وشبيبة التلال، من خلال قوانين الدولة الرسمية وممارساتها، فيما يرى "الشرقيون" في اللحظة مناسبة لتغيير وإنهاء القوانين التي اتاحت استمرار سيطرة الطبقة الأشكنازية على موارد الدولة ومفاتيح القوة فيها، رغم نجاح الشرقيين في بلورة ائتلافات اغلبية (بتحالف مع التيارات الدينية الحريدية وتيارات الاستيطان والصهيونية الدينية) تمكنها من السيطرة الفعلية، مسنودين بنجاح انتخابي واضح، فيما تلاقت كل هذه المصالح مع طبقة سياسية شعبوية متجذرة داخل الليكود، ومصلحة نتنياهو الذي يراها فرصة للإفلات من التهم الموجهة له بالفساد وخيانة الامانة، عبر تغيير النظام القضائي الذي سيقوم بمحاكمته.

في الوقت ذاته فان المواطن اليهودي العادي، يرغب في تجسيد الشعور الذي ذوتته الغالبية العظمى من المجتمع الاسرائيلي في داخلها، بأن إسرائيل قد انتصرت، وأن الصراع بين الحركة الصهيونية والحركة القومية العربية قد وصل إلى نهايته بهزيمة الأخيرة، وانتصار الدولة الصهيونية، وبالتالي فقد آن الأوان لترجمة هذه الانتصارات إلى إنجازات على أرض الواقع.

وفي خضم هذا الصراع الداخلي الحقيقي تجندت الطبقة الحاكمة والمتسلطة على مؤسسات الدولة منذ تأسيسها، للدفاع عن مصالحها، وعن وجه "مشروعها" امام العالم، واستعانت في جهودها، بتشكيل ائتلاف واسع بقيادة احزابها السياسية، ، وتجنيد قيادات المؤسسات الامنية، والقوى الاقتصادية التي شملت رؤساء البنوك وقيادات شركات الاستثمار وصناعات الهايتك المتقدمة، والمؤسسات الاكاديمية والنخب الثقافية، بالإضافة لتجنيد الدعم الخارجي من يهود امريكا، وقيادات سياسية اوروبية ضمن المصلحة "والقيم الليبرالية والعلمانية المشتركة".

العرب خارج "الائتلاف":

لكن هذه الطبقات الاشكنازية التي نجحت بتنظيم حركة احتجاج حقيقية، مدعومة بتنظيماتها الاجتماعية والأهلية الغنية بمواردها وخبراتها، حددت منذ البداية شعاراتها وحدود توقعاتها من الائتلاف، ورسمت سقف مطالبها من الاحتجاجات بالحفاظ على الواقع بقوانينه القائمة ومنع التغييرات المقترحة على النظام القضائي، وبرأسها تعيين القضاة وتقييد المحكمة العليا، والعودة "للقوانين الاساسية" و"وثيقة الاستقلال" باعتبارها قواعد اساسية ضابطة لقوانين اللعبة السياسية والاجتماعية في الدولة، حتى تشكيل الحكومة الاخيرة.

أي ان المطالب لم ترقى للمطالبة بتغيير "الواقع" او تغيير "قواعد اللعبة" بما يغير بجوهر الدولة، ولا حتى بمستوى الحقوق الفردية او الجماعية. أي انها اكتفت بحماية "الانجازات" والتمسك بالجوهر التمييزي للدولة اليهودية القائمة منذ 48. بل ومنعت حتى، بتصريحات قيادتها رفع شعارات تتجاوز المطالب المدنية، وسقف المطالب الذي حددته كشرط لمشاركة "عرب اسرائيل" بوصفهم مواطني اسرائيل ومتضررين من التغييرات المقترحة، لا كشركاء متساويين يمكنهم  طرح سقف نضالي مختلف، يتطرق لجذور القضية ومسبباتها الحقيقة – وجندت الإعلام لكبت أي حديث عن ارتباط التمييز في القضايا المدنية بالظلم التاريخي الحاصل على الشعب الفلسطيني بأسره، او الحديث بان "شعار المساواة المدنية" تم انتهاكه على يد الحكومات المتعاقبة منذ قيام الدولة، لا منذ تولي نتنياهو وسموطرتش سدة الحكم!!

ولم تترك قيادة الاحتجاج أي فرصة الا وتحدثت ضد رفع العلم الفلسطيني باعتباره "مسيئا للاحتجاج وأهدافه"، وان لا علاقة للاحتلال بمظاهراتها "لحماية المحكمة العليا"، وان "الوقت غير ملائم لانتقاد المحكمة والجهاز القضائي". وتعاملت تلك القيادات باستعلاء قومي معهود حتى مع المشاركين من "عرب اسرائيل" باعتبارهم الاحتياط لأجنداتها، لا كشركاء لها، ولذلك رأت بأعضاء الكنيست العرب، وبضمنهم من شاركوا ويرغبون بالمشاركة بالاحتجاج لأسباب ايديولوجية وسياسية، تابعين واحتياط، لا كشركاء متساوين في صياغة الشعار ورسم السقف السياسي لتلك الاحتجاجات .

باختصار حول بعض المرجعيات المؤسسة للاحتجاج :

العودة لقيم "وثيقة الاستقلال"  كقيم موجهة للاحتجاج، هي تماما كما هو الحال بالعودة اليها في القوانين الاساسية للدولة، أي باعتبارها قيماً قاعدية ومؤسسة، فيما ينظر اليها الفلسطيني باعتبارها تجسيدا للنكبة المستمرة، وتأسيساً لقبول نتائجها والتصرف بدونية وقبولاً للاستعلاء القومي الذي يعانيه في كل مناحي الحياة.

و"الثورة القضائية " المقترحة على المحكمة العليا والجهاز القضائي، ليست الا استمرارا لدور هذا الجهاز وهذه المحكمة التي  لعبت دور "الدرع الواقي للدولة" والمبرر لكل جرائمها تجاه الشعب الفلسطيني امام العالم. هذه المحكمة التي تبنت ما يسمى إسرائيلياً "الأمن القومي"- وشرعت بموجبه انتهاكات القانون الدولي ومواثيق "حقوق الإنسان"، حين رأت ضرورته لاستمرار "الطابع اليهودي للدولة"، مشرعة استمرار العنصرية وجرائم الحرب "لاعتبارات امنية".  والمحكمة العليا هي ذاتها التي شرعت تشتيت العائلات بمسميات قانون منع لم الشمل، واقامة الجدار العنصري، والقاء قنبلة بوزن طن على بيت في غزة، وشرعت الابعاد والاستيطان، وبررت ترحيل القرى العربية في النقب لإقامة المزارع والبلدات اليهودية، ومصادرة الارض وتهويد الجليل، والهدم في المثلث وتجريف المقابر لإقامة المتاحف!!..... وقائمة قرارتها لتبييض صفحة الاحتلال ووجهه تطول وتطول. ولكن باختصار كانت ولا زالت المحكمة هي الاداة الطيعة بيد النخبة (الاشكنازية) الأكثر فاعلية  لتبرير العدوان على حقوقنا المدنية  الفردية والوطنية الجمعية على السواء.

الغائب الحقيقي:

ومما لا شك فيه يبدو وسط هذا الاحتجاج التأثير الواضح لغياب المشروع الوطني الشامل، الذي يعالج المرحلة وتحدياتها بمبادرات تفتح النقاش ومشاركة الناس آرائها والقيام بخطوات حقيقية تشمل الفعل ورد الفعل، دون ان تغييب الرؤية الوطنية بعيدة المدى، مما يفتح الباب امام مواقف وبرامج تخترق المجتمع الفلسطيني تحت سقف اسرائيلي متماثل مع رغبات قيادة الاحتجاج (في الداخل، وعموم الشعب الفلسطيني) مسنودة بتحاليل وتقييمات المصلحة اللحظية والحزبية الضيقة.

04‏/04‏/2021

 

الانتخابات الاسرائيلية :

استرجاع السياق الاستعماري وقراءة أولية في النتائج !

      محمد زيدان

وفق منظومة "حقوق الانسان العالمية" (الليبرالية الحديثة) يعتبر "الحق بالتصويت" واحداً من أهم حقوق الانسان، ليس باعتباره شكلاً من اشكال حرية التعبير فحسب، بل أيضا لما له من تأثير بالغ على عملية التشريع التي تحدد التمتع بباقي الحقوق المدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الفردية والجماعية، وباعتباره تجسيداً "لإرادة الشعب" ورغبته. وبدون الخوض في الجوانب الفلسفية لتحقيق هذا الحق فعلياً، فإن من شأن العملية الانتخابية في واقع محدد ان تختلف من مكان لآخر، او في المكان ذاته، بين فترات زمنية مختلفة، بفعل اختلاف الواقع السياسي الذي تمر به الاحزاب السياسية المشاركة والواقع القانوني الذي يضبط مشاركة "المواطن" في هذه العملية.

الانتخابات من أزمة الحكم لازمة النظام:

وفي الواقع الاسرائيلي فإن مراجعة جولة انتخابية بمفردها، تكون مجزوءة اذا ما نزعت عن سياقها السياسي العام، خاصة وانها تجري للمرة الرابعة خلال عامين في دولة أقامت نظامها السياسي داخل كيان استعماري استيطاني، نجح بتأسيس نظامه ودولته على أنقاض الشعب الفلسطيني، في واحدة من أبشع عمليات التطهير العرقي المتواصلة منذ عام 1948 بأشكال ينطبق على غالبيتها معايير تعريف "جرائم العدوان" "وجرائم الحرب والإحلال" في القانون الدولي. وأن هذا النظام قد منح ما تبقى من السكان الأصليين- بعد تهجير غالبتهم- منحهم حق التصويت المشروط، عبر مواطنة منقوصة فرضت عليه بفعل تحويلهم القسري لأقلية في وطنهم.

ولقد وصل المشروع الاستيطاني الكولونيالي الصهيوني، المتمثل بدولة اسرائيل اليوم، مرحلة استطاع فيها التمدد على كل الارض الفلسطينية، ونجح بمراكمة الانجازات الداخلية والخارجية، حتى وصل مرحلة تبلورت التيارات السياسية الفاعلة في سياقه السياسي لتيارين يمثلان الطّيف الاجتماعي والفكري السياسي المتنوع داخله. وبرز التنافس بين هذان التياران بالجولات الانتخابية الأربعة الأخيرة، دون أن ينجح أي منهما بحسم المنافسة لصالحة بشكل مطلق.

يشترك التياران في الهدف والرؤيا النهائية، فيما يختلفان بالأساليب ورؤية المراحل المطلوبة من اجل الحفاظ على المشروع والأهداف الاستراتيجية، وقد يختلفان على الطريقة التي تؤدي في كل مرحلة لتحقيق هذه الأهداف، ولذلك يبدي كل منهما استعداداً لدفع "ثمن" مختلف من أجل توسيع قاعدته البرلمانية، بما يمكنه من الحسم من خلال توسيع ائتلافاته، بشكل يبدو للوهلة الاولى غير تقليدي،  او مخالف عمّا يعهده المراقب للجولات الانتخابية الماضية.

المهم ان اسرائيل دخلت ازمة دستورية جدية، ولم تنجح جولات الانتخابات الماضية من حسم الصراع بين التيارات المتنازعة، وتبرز عمق الأزمة ليس في الفشل المتكرر بتشكيل الائتلافات القادرة على الحكم فحسب، بل في الصراع الدائر بين التيارين (وداخلهما) على شكل الحكم، وطبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع الاسرائيلي بعد 72 عاما من نشوء الدولة. وبالتأكيد فإن ملفات الفساد ولوائح الاتهام التي يواجهها زعيم احد التيارين تلعب دوراً مؤثراً في رسم معالم هذا المشهد المتأزم.

ويرتبط عمق الأزمة مع نجاح تيار الاستيطان الديني بالوصول الى غالبية مفاتيح الحكم بالدولة، كنتيجة لفعل وحضور سياسي فاعل منذ عام 1977، والمتزايد في العقدين الأخيرين. ويظهر هذا النجاح بسيطرة هذا التيار على الكنيست، الذراع التشريعي ونجاحه بتشريع القوانين العنصرية التي تخدم اجندته وفرض رؤيته بتقسيم موارد الدولة وتوجيهها للاستيطان، حتى وصل بنفتالي بينيت رئيس حزب "البيت اليهودي" واحد رموز هذا التيار ان يصرح في احدى اعلاناته الانتخابية، بأن المعركة الانتخابية الاخيرة، "ليست بين يسار ويمين، بل بين اليمين واليمين، فلدينا 80 مقعدا يمينياً مضموناً بالكنيست"- على حد تعبيره!!. بالإضافة لتوسع تمثيل هذا التيار في الوزارات المختلفة والحكومات المتعاقبة التي شكلها نتنياهو منذ وصوله للحكم، وتشجيعه لهذه التيارات والتحالف معها وفقاً لاحتياجاته الانتخابية التي تماشت مع رؤيته الأيدولوجية، على سبيل دوره البارز والمعلن بالانتخابات الاخيرة حيث مهد لنجاح حزب المستوطنين الفاشي "عوتسماه يهوديت"، الذي يمثل استمرارية لحزب كهانا الإرهابي.

كما نجح تيار الاستيطان الديني بالسيطرة وفرض التغيير الجزئي بالجهاز القضائي، والذي يمثل الهجوم الاعلامي على المحكمة العليا ابرز معالمه المعلنة، فيما تستمر عملية "السيطرة الهادئة" والتغيير العميق من خلال "ادوات ناعمة" تتمثل بدوره من خلال "لجنة تعيين القضاة" التي نجحت من خلالها بإدخال المئات من داعمي هذا التيار، والذي أحسنت التعبير عنه وزيرة القضاء السابق ايليت شكيد، في مقالة لها تمثل ملخص وحقيقة هذا المخطط (איילת שקד – מסילות אל המשילות). كما نجح هذا التيار بالتغلغل في المؤسسة الأمنية والجيش بكل الرتب القيادية والقاعدية. فيما يواصل تحقيق انجازات وانتصارات بارزة للعيان في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الرسمي والقنوات التجارية. والأهم هو ان هذه السيطرة باتت تحظى بدعم قاعدة جماهيرية تمثل غالبية المجتمع اليهودي الاسرائيلي.

من المهم الإشارة الى أن ما منع مشاركة أي من الأحزاب العربية بالحكومة حتى اليوم، لم يكن متعلقاً بها او ببرامجها أو استعداد قياداتها ورغباتهم، بل بحقيقة امكانية تشكيل الائتلافات دونها من أحزاب "الاجماع الصهيوني" فقط، وقناعة غالبية الاحزاب الاسرائيلية بأهمية ضمان  بقاء الحكم في "الدولة اليهودية" مسنودا للأحزاب الصهيونية واليهودية، والإجماع على إبقاء الأحزاب "غير اليهودية" (غير الشرعية بالمعنى) خارج مؤسسات الحكم والتأثير بكل الأحوال!!.

المستوى الفلسطيني العام:

فيما  خاضت اسرائيل جولتها الانتخابات الرابعة خلال عامين، كانت السلطة الفلسطينية تستعد لانتخابات أولى منذ 16 عاماً، وتلك الانتخابات تأتي الاولى بعد "الحسم العسكري" لانتخابات عام 2006، والتي نشأ عنها الانقسام الفلسطيني بين سلطتي رام لله وغزة، الذي لا زال يطغى - بالإضافة للاحتلال- على الحياة الفلسطينية بكل جوانبها.

وفي غياب المشروع الوطني الموحد، بعد تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، وشل مؤسساتها ومجلسها الوطني، واقصاء غالبية الشعب الفلسطيني عن مؤسسات السلطة، (اللاجئين، الشتات وفلسطينيي 48)، ظهرت تيارات سياسية تعمل على فصل النضال الفلسطيني في الداخل عن سياقه الوطني العام، وتتماشى رؤيتها مع "مشروع اوسلو" وحدوده الجغرافية المتهالكة بفعل الاستيطان وسياسة الهدم والإحلال السكاني، التي لم تتوقف يوماً عن ملئ الفراغات الجغرافية والسياسية المصنوعة في اتفاقيات اوسلو وتوابعها الاقتصادية والامنية والسكانية الجغرافية.

وضمن هذه الرؤيا المحدودة، لعبت السلطة الفلسطينية دورا في دعم "مبادرات التواصل والتعايش العربي اليهودي"، كما دعمت ووضعت ثقلها لتشكيل "القائمة المشتركة" عام 2015،  ورأت بها وسيلة للتأثير على الخيارات الاسرائيلية، وترجيحاً لأحد تياراتها التي حاربت نتنياهو، سعياً منها لتعزيز القوى الساعية للعودة "لمفاوضات السلام" أو الداعية لإحياء "عملية السلام" التي دفنها نتنياهو دون ان يعلن الفلسطينيون وفاتها رسمياً.

والحقيقة أن هذه الرؤيا لدور "القائمة المشتركة" من قبل السلطة الفلسطينية، تماشت (مع تباينات طفيفة)، مع مواقف أحزاب القائمة المشتركة وغالبية قياداتها، التي وضعت شعارها "بإسقاط نتنياهو"، ورأت بحصولها على 15 مقعداً "سداً أمام تشكيل حكومة يقودها نتنياهو"، وبالتالي لم تجد حَرَجاً سياسياً أو أخلاقيا من التوصية على الجنرال قائد الأركان السابق جانتس!!. ولم تنتقد موقفها هذا، حتى بعد ان أخذ جانتس هذه التوصية وشكل مع نتنياهو حكومته بعد الانتخابات الماضية.!!

 الحملة الانتخابية التي جرت بين الأحزاب العربية في الانتخابات الاخيرة على حدتها، لا ترتبط بخلاف جوهري بينها، فتحالفاتها المتبدلة خلال الجولات الانتخابية الاربعة، كانت وفق المصلحة وقراءة لإمكانيات استجلاب اكبر عدد من المقاعد. وما تطرحه هذه الاحزاب من خلافات بينها، لا يتجاوز بالواقع موقفها وتقديرها لطرق ومدى الاستعداد للعب دور فاعل في السياسة الاسرائيلية!!، فما تطرحه "الموحدة" ليس جديدا من ناحية الجوهر عمّا طرحته ومارسته "المشتركة" وقياداتها في أكثر من مناسبة منذ تأسيسها. وقد اوصت المشتركة على جانتس حين شاركتها الموحدة حدود "التأثير وخطاب الإنجازات" والرؤيا ذاتها. ووجدت الأحزاب الأربعة معادلة للعمل المشترك فيما بينها، ثم اختلفت وتوحدت خلال المعارك الانتخابية الاربع الاخيرة دون ان تقدم مبررات جوهرية لجمهورها. أي ان الخلاف المطروح بين القوائم العربية الممثلة بالكنيست (المشتركة – الموحدة) هو على شكل التعاون وثمنه وحدوده، دون الاختلاف على جوهره، ودون الالتفات لثمنه السياسي ومقاصد الاطراف الاسرائيلية المعنية به.

ومن مراجعة بسيطة نتذكر ان المشتركة- بأحزابها الأربعة- أوصت على الجنرال غانتس، والزمت التجمع برغم مواقفه المعلنة حول التوصية، دون أن ترى بذلك حرجاً او تهتز لها قصبة، ووجدت في أكثر من مناسبة طرقاً لتبرير تعاونها باللجان والتصويت مع حكومة نتنياهو (سرا وعلانية، بالحضور او الغياب!) في الكثير من المناسبات والمواضيع، وهي بذلك تكون كمن فتح الباب أمام مركباتها بالتسابق أو الاختلاف في سرعة وطريقة القيام بذلك من أجل "مراكمة الانجازات والخدمات". وها هي "القائمة الموحدة" شريكة المشتركة بالأمس، تعلن اليوم عن استعدادها للمضي قدماً بهذا التوجه، وتتفاوض على قرارها بالتوصية وأكثر من ذلك، مع كل الأطراف الاسرائيلية المتنازعة على تشكيل الائتلاف القادم!!.

ووفق كل التقييمات فقد ثبت بالتجربة العملية أن "التنسيق والمشاركة" للأحزاب العربية في الحكم ورغبتها المشاركة بتقاسم الموارد، لا يعتمد على "رغبتها" او قوتها الانتخابية، وإنما على استعداد التيارات الاسرائيلية وموافقتها للاستفادة من اصوات العرب لتحقيق برامجها واهدافها، خاصة وان الثمن المطلوب منها لا يتعلق بالقضايا الاستراتيجية وطابع الدولة (الصهيونية، يهودية الدولة، الاحتلال والاستيطان القدس واللاجئين وغيرها)، ويقتصر في أقصى حد على مطالب مدنية وزيادة الحصة الاقتصادية في السياسات الداخلية للدولة، والتمثيل في بعض اجهزة الحكم الهامشية!!. وهو ثمن قابل للتحقيق لدى قطاع آخذ بالتوسع داخل التيارات الاسرائيلية، ويرتبط باعتبارات البراغماتية السياسية، والفشل المتكرر لهذه التيارات بتشكيل الائتلافات المستقرة والقادرة على الحكم بالاعتماد على تحالفاتها التقليدية فقط.

ومن المهم هنا الإشارة ان النقاش بين التيارات الاسرائيلية المتنافسة، حسمته دوائر القرار في اللوبيات اليهودية الصهيونية في امريكا منذ سنوات من خلال شرعية دعمها المعلن للاحزاب العربية، وعملها لزيادة التصويت لدى العرب بهدف "اسقاط نتنياهو". وقد ظهر ذلك جلياً من خلال المبادرة واستعداد اللوبي الصهيوني الامريكي (اليساري!) لدعم فكرة إقامة المشتركة منذ 2015، وترحيبها بقيادة المشتركة بأكثر من مناسبة، ودعمها المالي السخي والعلني لحملات وائتلافات اقامتها جمعيات عربية لزيادة التصويت عند العرب، علاوة على ما نشر مؤخراً من تقديم مليونير يهودي كندي ضمانات مالية لقروض لدعم مشاركة حزب عربي "جديد"، نشأ قبيل الانتخابات الأخيرة (قام بالانضمام للمشتركة لاحقاً)، وفي ذات الوقت الذي دعم وقدم الضمانات لحزب "هتكفا هحدشاه"  الذي يقوده جدعون ساعر اليميني المتطرف!!.  وهو ما يشير بوضوح الى أن اهتمام اللوبي اليهودي الصهيوني الداعم للتيار الاسرائيلي الذي يرى باستمرار حكم نتنياهو عقبة، ويرغب بتغييره حفاظاً على صورة اسرائيل امام امريكا بشكل خاص، والغرب عموماً. ويطمح من خلال "دعمه" للأحزاب العربية تخليص اسرائيل من ازمتها المتفاقمة.

واخيراً فإنه من بين السيناريوهات المتوقعة، وفق نتائج الجولة الانتخابية الاخيرة، يظهر عمق الأزمة بين التيارات الاسرائيلية المتنافسة على قيادة الدولة، وعدم تمكن أي منها من تشكيل ائتلاف مستقر قادر على الحكم لفترة طويلة، بما يبشر بجولة انتخابية خامسة وفق التوقعات. وان أوهام مشاركة الاحزاب العربية بالحكم وبكونها "بيضة القبان"، لن تصمد أمام الغطرسة والعنصرية الصهيونية التي تقع في جوهر الاجماع الصهيوني الذي يرى بالعرب أعداءً له !! 

اما بخصوص الأحزاب العربية وما احرزته من نتائج مخيبة لغالبيتها، بالاضافة لنسبة المقاطعة التي تجاوزت 50% (وهي مواضيع لم يتم التطرق لمعانيها واسبابها بهذه المقالة) فإنها تطرح أمام كوادرها الحاجة الماسة لإعادة الاعتبار للعمل الميداني، والعودة للعمل الجماهيري في النوادي ومع الشباب والنساء والعمال بموازاة عملها البرلماني، وعدم الانغماس بعملها البرلماني ومحاولة مساعدة اسرائيل للتخلص من ازماتها، على حساب برامجها وقواعدها، واهمال بناء المؤسسات الوطنية والجمعية، واعادة الاعتبار لأهمية التنظيم والتحالفات خارج القوائم المتنافسة بالكنيست. وتعيد الى الاذهان اهمية بناء المؤسسات التمثيلية الوطنية المستقلة. بالإضافة لضرورة الابقاء على القضية الوطنية الجماعية بالإضافة للقضايا الحقوقية الفردية والبحث عن القواسم الجمعية المشتركة مع باقي قطاعات الشعب الفلسطيني، للخروج من الأزمة التي تعصف بكافة شرائحه وكافة أماكن تواجده. وأن التعويل على "خطاب الانجازات والخدمات والشراكة"، لن يؤدي الا لفقدان مصداقيتها ومبررات وجودها، ويفتح الابواب امام الأحزاب الصهيونية على انواعها للتغول، وهو ما رأينا بوادره في الانتخابات الأخيرة.


19‏/01‏/2021

ثلاث قضايا وتوجه واحد التمييز وثقافة



محمد زيدان

كلمة العدد - صحيفة حديث الناس



العنوان الأول: صفقة ترامب كمناسبة للتخلص من المثلث والعرب:

"صفقة القرن" التي كتبت بمشاركة إسرائيلية أمريكية، طرحت فكرة "تعديل الحدود" من خلال التخلص من منطقة المثلث بسكانها. ويبدو الامر مثيرا لأن إسرائيل خاضت الحروب تلو الحروب منذ عام 48 لتوسيع رقعتها والسيطرة على أوسع مساحات ممكنه، فجأة تعلن استعدادها "لإعادة ترسيم الحدود" و"التنازل" عن مساحة ضمتها بموجب "اتفاقيات رودوس"، وتبادر هي لذلك بذاتها ما دام المقابل هو التخلص من حوالي 300 ألف فلسطيني من "مواطنيها" ما دام الامر مفيداً لتعزيز يهوديتها. 

هي "رؤيا" وضعتها الإدارة الامريكية بالتعاون مع القيادة الاسرائيلية دون أن يطالِب الفلسطينيون بها!، والمفارقة انه لم يحصل بالتاريخ الإنساني أن "تنازلت" دولة عن مساحة منها تطوعاً، حتى دون أن تكون مُطَالَبَةً او مرغمةً لذلك!!، وهذا يظهر مدى تجذر العنصرية في الأرضية التي تقوم عليها هذه الرؤيا، وحجم عدائها للعرب الفلسطينيين على جانبي "الخط الأخضر" الذي لم تأت على ذكره.

الهاجس الديمغرافي لحماية "يهودية الدولة" وضمان استمرار الغالبية اليهودية فيها، يكفي سبباً للتخلص منهم بعد "تعديل الحدود"، بما يضمن التخلص من البلدات بمساحتها المقلصة الحالية، وتغيير مواطنة السكان فيها، مع التأكيد على تجريدهم من حقوقهم وأملاكهم، وضمهم للكيان الهلامي الذي تسميه صفقة ترامب "دولة فلسطينية"، دون الحديث عمّا كانوا يملكونه وصادرته الدولة منذ ضمهم عام 1949.


العنوان الثاني: لجنة الانتخابات تشطب ترشيح النائبة يزبك: 

قررت لجنة الانتخابات للكنيست هذا الاسبوع، شطب ترشح النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي، د. هبة يزبك، ومنعها من الترشح في القائمة المشتركة، وذلك رغم توضيحها المكتوب الذي قدم للجنة وقالت فيه أنها لم تقصد "تأييد العنف"، وأنها لم تكن لتكتب مواقفها بنفس الطريقة التي صاغتها قبل دخولها الكنيست، لكن اللجنة قررت الشطب متجاهلة إعلان المستشار القضائي للحكومة معارضته لهذا الأمر.

وكما في كل جلسات الشطب المتوقعة قبيل كل الجولات الانتخابية، شهدت الجلسة أجواءً متوترة وإطلاق عبارات عنصرية من بعض أعضاء اللجنة، وهم مندوبين عن الأحزاب المنافسة ذاتها، الذين نعتوا النواب العرب بأنهم "مخربون" ويدعمون الارهاب. وقد صوت مع طلب الشطب (الذي قدمته أحزاب اليمين المختلفة) 27 عضواً، بينهم مندوبين عن أحزاب "كحول لافان" و"حزب العمل" المتحالف مع ميرتس!) فيما عارضه 7 أعضاء.

 ويأتي قرار اللجنة في عملية إجرائية بعيدة كل البعد عن النظم الديمقراطية المقبولة. فيما اعتبره المراقبون "قراراً سياسياً بحتاً، يستند في كل حيثياته على العنصرية ومحاولات كسب الأصوات من خلال التحريض على المواطنين العرب وممثليهم السياسيين المنتخبين".


العنوان الثالث: الدبلوماسية التي لا تتذكر العربي، تتعاظم عندما يكون المواطن يهودياً 

المتتبع لأخبار النشاط الديبلوماسي المحموم الذي أدى لإطلاق سراح الشابة الإسرائيلية (نعمة يسخار) من السجن الروسي بعد اعتقالها بتهمة حيازة المخدرات، يكاد يجزم ان هذا النشاط السياسي والإعلامي المحلي والدولي ليس طبيعياً ولا متناسقاً مع ما تقوم به الدول في مثل هذه القضايا والحالات المشابهة.

ان تهتم الدولة بترتيب لقاءات للعائلة مع الرئيس بوتين، وأن يُطرح الموضوع على جدول زيارة الأخير الى البلاد، وأن يسافر رئيس الحكومة نتنياهو خصيصاً الى روسيا أكثر من مرة للبحث في قضيتها. وان يسافر بطائرته من واشنطن الى موسكو كي يصحبها الى تل ابيب، هو بالتأكيد امرٌ مستهجن!. هذا إضافة الى المساحة التي أفردتها وسائل الاعلام على أنواعها لهذه القضية، وجعلها تتحول من قضية شخصية إلى قضية "رأي عام" جارف مؤيد ومساند للإفراج عنها!!

ويتخذ هذا الامر أهمية خاصة عندما تستوجب المقارنة بين تلك الجهود الجبارة والموارد غير المتناهية التي صرفت عليها، مع القضايا العالقة المتعلقة بالمواطنين العرب وما يواجههم في الخارج، وغياب المبادرة والاستعداد للدفاع عنها وتقديم الدعم لها من قبل الدولة وسفاراتها في الخارج.

ويكفي ان نذكر لتجسيد هذه الفروقات قضية الشاب "يوسف إبراهيم مجدوب" ابن مدينة طمرة المعتقل في تركيا منذ كانون اول الماضي، الذي لم تسعفه كل النداءات التي وجهتها عائلته لمؤسسات الدولة الرسمية بطلب المساعدة لها ولابنها، الذي يواجه تهماً باطلة وفق العائلة ويقدم للمحكمة التركية بموجبها. 

كما تستوجب المقارنة التذكير بقضية ابنة باقة الغربية "لطيفة زياد" التي اختفت آثارها خلال رحلة استجمام في مدينة باريس منذ 8/10/2019، ولا يزال الغموض يكتنف اختفاؤها والحالة التي تعيشها بعيدة عن العائلة، هذه القضية التي لم تلقى أيضا ولو الجزء اليسير من الاهتمام والمتابعة من الدولة.

ان مجرد المقارنة تظهر بما لا يدع مجالا للشكل وجود معايير مزدوجة وسياسة من التمييز على أساس عنصري في تعامل الدولة ومؤسساتها ليس في القضايا السياسية والمدنية فحسب بل وحتى في القضايا ذات البعد الإنساني والحقوق الأساسية.

 


المرافعة الدولية، بين عبث السياسة وفعل القانون!



محمد زيدان

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

كثيرا ما حملت عناوين البيانات الصحفية لنشاط الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، اخباراً تفيد بتوسيع دائرة العمل وأساليب النضال لتشمل "المرافعة الدولية" أو "التدويل"، باعتبارها أداة نضالية غابت عن "صندوق معدات العمل"، وحتى تم تغييبها عمداً، نتيجة القصور عن فهمها وفهم أبعادها وطرق تنفيذها بنجاعة وتأثير. واقتصر العمل لفترة طويلة على بعض المؤسسات الأهلية التي غردت خارج السرب بعد أن اثبتت تجاربها عجز الآليات المحلية المستعملة (البرلمانية والقضائية وغيرها) عن تحقيق الأهداف المرجوة من المرافعة امامها.

وقد شهد الأسبوع الأخير الإعلان عن حدثين جسدا نموذجين مختلفين من هذا العمل، يمكن الاستفادة من الدروس المستخلصة منهما، لتنجيع الاستعمال المتزايد لهذه الآلية:  

فشل مجلس الأمن، رأس الهرم في جلسته حول القضية الفلسطينية

يمثل مجلس الامن الدولي رأس الهرم الفاعل في الأمم المتحدة لمناقشة قضايا "الأمن والسلم العالمي"، باعتباره صاحب القرارات النافذة والملزمة، لكنه يمثل زبدة نتاج الحرب العالمية الثانية، وما تأسس من بعدها في النظام العالمي، لحماية مصالح الدول المنتصرة التي احتكرت لنفسها العضوية الدائمة في المجلس وحق النقض الفيتو (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا). وبالتالي فإن خضوع المجلس للابتزاز من هذه الدول، واستغلال موازين القوى بين المعسكرات الناشئة، هو أمر يجب التعامل معه لمن يقرع أبواب هذا المجلس، الذي فشل حتى اليوم بتنفيذ الكثير من قراراته الجادة بالقضية الفلسطينية.

هذا الأسبوع شهدنا خطاب الرئيس الفلسطيني أمام المجلس في جلسته، التي تحولت بعد الفشل الفلسطيني بجمع التأييد الكافي لتقديم "اقتراح قرار" يصوت المجلس عليه، تحولت لما يعرف بجلسة "الإحاطة"، وهي جلسة استماع عامة لتبادل معلومات ومواقف لا أكثر، ولا يصدر عنها سوى بيان يرصد أبرز ما جاء بها، تنشره الأمم المتحدة على صفحاتها قبل أن يخزن في ارشيفها مع ملايين الأوراق والملفات المتكدسة!

والحقيقة التي يجب المجاهرة بها، أن الجلسة كانت فشلاً ذريعا ليس للفشل الفلسطيني بجمع الدعم الكافي لتقديم اقتراح للتصويت فحسب، بل لأنها أظهرت التغير الحاصل في الميزان الدولي، وتعامل دول العالم مع مصالحها الذاتية فقط، بعيداً عن القيم العالمية والقانون الدولي، وخضوعها للضغط والتهديد الأمريكي الذي صار سيد الموقف في الأجسام الأهم في الديبلوماسية العالمية، حتى مع الدول التي طالما اعتبرت في مجموعة الأصدقاء الداعمين للحق الفلسطيني.   

ومع الأسباب الموضوعية للفشل الفلسطيني تضاف الأسباب الذاتية التي من أبرزها هزالة الخطاب الدولي، واعتماده على الإسهاب بالتحليل والخروج عن النصوص، بصيغة "اجتمعت مع ترامب، الزلمة منيح"!!، و "نسيبه ابن الحسب والنسب"، أو خطاب "رضينا بالبين، والبين ما قبل فينا!!" وغيرها من الأمثلة التي لا تصلح لتمثيل قضية بحجم قضية الشعب الفلسطيني، وتخرج عن الأعراف واللغة الدولية، علاوة على أن خطاب التباكي والمسكنة، وخطاب الضحية الضعيف "الذي جرب كل شيء ولم ينجح"، هو خطاب غير ناجع بأقل الاعتبارات، ان لم يكن مضراً ومنفراً بأغلب الأحيان، وأن ما يصلح للقاءات الجامعة العربية، لا يصلح في الدبلوماسية الدولية.

ان تحريك الرأي السياسي الدولي في عالم المصالح، يتطلب الجمع الصحيح بين تعزيز المحلي واتقان العالمي، ولن يكون الا بتفعيل عناصر القوة التي تم تحييدها منذ أوسلو، وإن الإعلان المسبق عن الاستمرار بتحييد الناس، وقمع الشارع وحراكه، يمثل تجريداً مسبقاً من سلاحٍ ناجع، ويعني الخروج للمعركة الدبلوماسية ضعيفاً مجرداً من كل عناصر القوة.

"مجلس حقوق الإنسان"، وقائمة العار للشركات

"مجلس حقوق الإنسان" هو أقل قوّة تنفيذية، لكنّه يمثل الإطار المتخصص والأهم الذي يتبع "مفوضية العليا لحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة. ومهما هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة مصداقيته، يبقى قبلة الحراكات الشعبية، والمجتمعات المدنية، كما الدول والشعوب في سعيها لتحصيل الاعتراف العالمي بعدالة قضيتها. 

أصدر المجلس هذا الأسبوع تقريراً خاصاً شمل قائمة بالشركات التي ترتبط أعمالها ونشاطاتها الاقتصادية بدعم المستوطنات والاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة. ويأتي هذا التقرير تنفيذاً للقرار الذي صدر عن المجلس منذ عام 2016، وحاولت الولايات المتحدة تأجيله ومنع صدوره، وقد طالب القرار بإعداد هذه القائمة، نشرها وحتلنتها دورياً. علماً بأن المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة، تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، كما اعتبره "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، المعتمد في العام 1998 مخالفة ترتقي لجرائم الحرب، وبالتالي فإن تعامل هذه الشركات مع الاستيطان أو دعمه يمثل دعماً ومشاركة في الجريمة الخطيرة.

إن الإصرار الفلسطيني على تجنيد الدعم الدولي، وعدم الخضوع للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية في هذه القضية، والإصرار على صدور التقرير تنفيذاً للقرار المتخذ، يمثل نموذجاً آخراً من التجربة الفلسطينية في العمل الدولي، ومثالاً لترابط عمل الجمعيات الحقوقية والدبلوماسية الفلسطينية، للاستفادة مما يتيحه هذا النظام من أدوات ناجعة، إن أحسنت الأطراف استعمالها بمهنية والتزام وشجاعة.

(محمد زيدان – طاقم التحرير)

 

 الإعلام وحاجة مجتمعنا للدعم والخدمات النفسية والاجتماعية



محمد زيدان 

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

تناقلت وسائل الاعلام والمواقع الإخبارية المحلية قبل أيام خبراً مفاده قيام والدة من إحدى القرى بطعن طفلها، ومحاولة الانتحار بعد ذلك. ورغم ان الخبر لم يكن من تلك الأخبار التي أضحت للأسف اعتيادية في مجتمعنا وبلداتنا، الا انه يمثل إشارة حمراء وناقوساً قَرَعَ قضية قلّما يتم تناولها والتعمق بها في إعلامنا أو مؤسساتنا الأهلية على اختلاف اهتماماتها.

عندما يكون الحديث عن "حالات الانتحار" على سبيل المثال، اعتادت وسائل الإعلام التحدث عنها تحت عنوان "الموت بظروف تراجيدية"!!، ووضعها تحت باب الأخبار القصيرة، دون ان تبذل جهداً معقولاً لتوضيح تلك "الظروف" التي تحمل طالباً او امرأةً او شاباً لوضع حدٍ لحياته التي لم تبدأ بعد! وبشكل عام لا يحتوي النشر المعلومات الكافية لفهم تفاصيل الحادث وحيثياته الحقيقية. وكما الكثير من القضايا الاجتماعية الهامة، فإن "القضايا النفسية"، يتم أيضاً "كنسها تحت السجادة"، والتغاضي عنها، ولا يتم إفراد مساحةٍ كافية لمعالجتها ونشرها في إعلامنا بشكل بارز، مما يحرم مجتمعنا ليس من حقه بالمعرفة فحسب، بل والأخطر من ذلك حقه بالاستفادة من هذه القضية من أجل التوعية وتحصين افراده، لمنع حالة الانتحار التالية او الجريمة القادمة.

علينا ان نبدأ بالتعامل مع "مشاكلنا الاجتماعية" وضغوطاتنا النفسية باعتبارها أحد المسببات الأساسية لازدياد حالات العنف المستشري في بلداتنا العربية. والتعامل مع الجرائم التي تنتج عنها بشكل جدي ومسؤول، فهي ليست مجرد "جريمة أخرى"، ولا يجب ان تكون رقماً يُضاف لقائمة الجرائم التي تعصف بمجتمعنا على اختلاف انتماءاته.  وعلينا الاعتراف بوجود أمور قد يستبعد العقل السَويّ حدوثها داخل بيوتنا أو في علاقتنا العائلية "التقليدية"، كعلاقة الأم بأطفالها وعلاقة الأبناء بوالديهم.

 علينا ان نعترف ان تغيرات بنيوية وهامة، حصلت نتيجة ضغوطات الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية التي تضرب غالبية عائلاتنا العربية، وبضمنها تراكم الديون والقروض وتزايد احتياجات نمط الحياة الاستهلاكية، مقابل تراجع المدخولات. وانه يمكن لمشكلات العمل او الدراسة، او التعقيدات والمشاكل الأسرية بين الأزواج، او الاختلافات والخلافات بين الآباء والأبناء وتغيرات نمط الحياة وغيرها، أن تؤدي لخلق ضغوطات نفسية قد لا يعرف البعض التعامل معها بشكل نسبي ومقبول. وعلينا ان ندرك أنّ حصول هذه التراكمات والتغيرات يتزامن مع تقلّص هامش الدعم المجتمعي والعائلي التقليدي الذي وفر بالماضي مساحات "لتفريغ الطاقات السلبية" وتقديم الدعم والنصح الكفيل بتجاوزها.

ان الحديث عن هذه الضغوطات والمشاكل النفسية في فضاءات الإعلام المختلفة، وبضمنها مواقع التواصل الإجتماعي، دون خجل ومواربة وبشكل مسؤول، يمكنه أن يساهم بتوفير مناخٍ مريحٍ لمعالجة هذه المشاكل والتعامل معها بطريقة علمية وإيجابية، قبل استفحالها لتصل حدّ الجريمة. ومع توفر الشرعية المجتمعية يصبح الباب مفتوحاَ أيضا للمطالبة بتوفير الأطر المهنية المناسبة لمعالجة هذه المشاكل والازمات، ليس باعتباره حاجةً فحسب، وانما حقاً من حقوق الفرد على مجتمعه، علاوة على كونه حقاً من حقوق الإنسان والمواطن الأساسية التي لا يمكننا الاستمرار بتجاهله والتعامل معه "كنقيصةٍ" أو إهانة لمن يحتاجه او يعمل من اجله.

وأخيرا فإن الأبحاث والتجارب العلمية تؤكد أن الدعم العائلي والاحتواء، وتوفير أدوات المساندة من المحيط الاجتماعي، تمثل العامل الأوّل للعلاج، كما أن توفير أجواء المصارحة داخل البيت الواحد وحماية الشرعية لكل فرد لمشاركة مشاعره الإنسانية وتقبلها كما هي، بالإضافة للتخلص من "الأفكار النمطية" المسبقة والهدامة، من شأنه أن يفتح الباب أمام من يحتاج للتوجه للمرافقة الطبية أو المهنية المختصة، دون تردد أو خوف أو خجل من العواقب الاجتماعية التي يمكن أن يواجهها نتيجة ذلك.




 



 

تدفيع الثمن والإرهاب اليهودي الجريمة القادمة مسألة وقت!!



محمد زيدان -
كلمة العدد صحيفة حديث الناس

"العرب أعداء يجب طردهم أو قتلهم"، "أيها اليهود أفيقوا واطردوا العرب" وغيرها من الشعارات العنصرية تركتها مجموعات "تدفيع الثمن" على جدران البيوت والمسجد في قرية منشية زبدة (شمال مرج ابن عامر) ، بعد قيامها بإعطاب وتمزيق عجلات قرابة 100 سيارة. ويعتبر هذا الاعتداء حلقة جديدة تضاف لسلسة الاعتداءات التي ترتكبها هذه الجماعات منذ سنوات دون ان تقوم الدولة بما يكفي لإنهاء نشاطها المتصاعد في عدوانيته.

إن سيطرة "ثقافة الاستيطان" على مفاتيح السلطة والقوى في الدولة، والتي بدأت منذ أواسط التسعينات، تستند لتثبيت الغالبية العظمى لشرعية الاستيطان في المناطق المحتلة، وإخراجه من أي نقاش حول الحلول الممكنة باعتبارها "جزءً من الأرض الموعودة لليهود". وقد اعتادت هذه المجموعات الإرهابية على القيام بنشاطات عنصرية واعتداءات يومية مستمرة ضد المزارعين الفلسطينيين ومنعهم من الوصول لأراضيهم، وقطع الأشجار وحرق المحاصيل والمباني الزراعية، بالإضافة للاعتداءات الفعلية وحتى الجسدية التي من أبرزها "مذبحة الحرم الابراهيمي" التي نفذها الإرهابي باروخ غولدشتاين عام 1994، وراح ضحيتها 29 مصلياً، وجرح 150 آخرين، خطف الطفل محمد أبو خضير من القدس وقتله حرقاً عام 2014، بالإضافة لحرق عائلة الدوابشة في قرية دوما عام 2015، وغيرها المئات من الاعتداءات المباشرة ذات الطابع العنصري الإرهابي.

وفي مرحلة لاحقة انتقلت هذه المجموعة لتنفذ جرائمها ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أيضا، والتي غالباً ما كانت تتمثل بإعطاب سيارات وكتابة شعارات معادية للعرب، والداعية لقتلهم او طردهم. كما أخذت بتصعيد اعتداءاتها ذات الخطاب العنصري والداعي للكراهية القومية والدينية من خلال الاعتداء على المساجد والكنائس، التي وصلت ذروتها بإحراق مسجد طوبا الزنغرية، وكنيسة "الخبز والسمك" في الطابغة قرب طبريا.

ان هذه المجموعات الإرهابية لم تأت من فراغ، وانما خرجت من قلب حركة الاستيطان الصهيونية المتدينة، وتُدرَّس مناهجها العنصرية في المدارس الدينية على مرآى ومسمع الأجهزة الأمنية، وبميزانيات سخية من الحكومة الإسرائيلية، التي فشلت في القيام بالحد الأدنى لوقف الظاهرة، ليس بالقبض على المجرمين وتقديمهم للقضاء فحسب، بل فشلت أيضاً في وضع حدٍ لمصادر التمويل التي تصل "مدارس الإرهاب" و"كليات الكراهية" التي ترعى "خط انتاج" فاعل للإرهابيين، الذين لم يتوقف "انتاجهم" وتدريبهم شبه العسكري منذ نشوء حركة كاخ العنصرية في السبعينات من القرن الماضي.

التسميات مهمة: هي حركات إرهابية وما تقوم به لا يمكن تسميته الا إرهاباً وفاشية، وانتقال نشاطاتها الى داخل البلاد ينبئ بتعاظم قوتها بعد الدعم السياسي من الأحزاب اليمينية التي لا تعتمد على أصوات المستوطنين فحسب، بل تمثل ذراعا سياسياً لمصالحها واجنداتها من خلال القوانين التي تقر (تطبيق قوانين إسرائيلية على المستوطنات وما يمثله من تنفيذ لرغبة ضم المناطق المحتلة على سبيل المثال، وتخصيص الميزانيات لتوسيع الاستيطان، والعمل لضم الأغوار..) والمثير للمراقب أن هذه الاجندات والشعارات صارت تحظى بدعم واجماع يتجاوز التيارات السياسية اليمينية والاستيطانية التقليدية التي صارت ممثلة لوزارات مهمة بالحكومة، لتحظى بدعم غالبية الحزب الحاكم -الليكود، كما اوساطا في حزب المعارضة الأكبر، كحول لافان (ازرق أبيض).

ان تزايد التحريض من المؤسسة الحاكمة وبرأسها رئيس الحكومة، والتي من المرشح تصاعدها مع دخول البلاد لجولة انتخابية ثالثة، يمكن أن ينبئ بمرحلة قاتمة قادمة، فالانتقال من التحريض وكتابة الشعارات للاعتداء على الأملاك لم يكن يحتاج للكثير من الجهد من هذه المجموعات الإرهابية. ومن النظر الى انزلاق الأمر وتدهوره في المناطق المحتلة عام 67، يظهر أن الانتقال من الاعتداء على الممتلكات الى القيام باعتداءات على المواطنين وتنفيذ القتل، وحتى ارتكاب المجازر هو مسألة وقت لا أكثر. وهو ما يتوجب على مؤسساتنا التمثيلية الاستعداد والعمل لمنعه باعتباره خطرا حقيقيا داهماً. 

محمد زيدان – طاقم التحرير


 

مسار تشكيل الحكومة، ومكانة العربي في الدولة اليهودية


كلمة العدد - صحيفة حديث الناس 

محمد زيدان

مع انتهاء المهلة التي يمنحها القانون لمندوبي الأحزاب الكبرى لتشكيل الحكومة أول أمس، ظهرت صورة قاتمة حملت أشكالاً متعددة من التحريض والعنصرية تجاه الأقلية الفلسطينية في البلاد. وبالوقوف عند بعض معالمها، بتجاوز "التوصيف" للحاصل (كما حصل في معظم وسائل الاعلام، العربية والعبرية) والتعمق والاستثمار بالتشخيص ومواجهة الحقيقة بدل ذلك، في محاولة للوصول لمعرفة "الوصفة" التي من شأنها ان تقودنا للتعرف على "الدواء" الفاعل لمعالجتها.

الصورة الأولى، تشكيل الكتلة اليمينية حول حزب الليكود، والتي تشكلت بشكل شبه طبيعي وسريع من غالبية الأحزاب التي تشارك بحكومة نتنياهو الأخيرة، والتي ليس بينها خلافات تمنعها من تشكيل "كتلة ال 55" التي أجمعت على استمرار نتنياهو برأس الحكومة، وضمت بالإضافة لليكود الأحزاب الدينية الحريدية، وأحزاب اليمين الاستيطاني. وتبرز خطورة هذه المجموعة (يضاف اليها حزب ليبرمان) في أن استثناء القائمة المشتركة منها، بدا "أمراً طبيعياً ومفروغاً منه". وتجسد هذه المجموعة موقف التيارات الاستيطانية، التي تركز على "يهودية الدولة" باعتبارها القيمة العليا، وبالتالي تدعم التمييز وحتى الفصل العنصري والمساس بحق المجتمع العربي ليس بالحقوق فحسب، بل بالوجود حتى كمواطنٍ غير متساوٍ في الدولة اليهودية. وبالتالي فإن تصريحات نتنياهو وليبرمان باعتبار القائمة المشتركة "خطراً وجودياً" وأعضاء الكنيست العرب "طابوراً خامساً"، تمثل أبرز تعبيرٍ عن رؤية هذا التيار ورؤيته للمجتمع الفلسطيني في البلاد، علاوة على تأييده لفكرة ضم المناطق الفلسطينية المحتلة- والتملص من أي التزام ممكن ان يؤدي لدولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل.

الصورة الثانية، التيار المتشكل حول "حزب الجنرالات"، والذي يشمل تحالف "كحول لافان" مع العمل، ميرتس وبراك، ودعم ترشيح الجنرال جانتس لرئاسة الحكومة. هذا التيار الذي ضم بالإضافة للجنرالات (ممثلي المؤسسة العسكرية) ممثلين من الصهيونية الليبرالية (يمين، مركز ويسار صهيوني). هذا التيار يرى أن قيادة اليمين للدولة قد أدت لأزماتها الداخلية المتمثلة بسيطرة التيارات الدينية المتزمتة على المال والحيز المدني العام في الدولة، إضافة لتهديد علاقات الدولة مع دول العالم. وأن استمرار هذا الوضع يمكن ان يمس أيضا بعلاقة إسرائيل مع الجاليات اليهودية المؤثرة في الولايات المتحدة وأوروبا. تنظر هذه المجموعة الى مكانة الأقلية الفلسطينية في البلاد، من زاوية الحفاظ على الصورة التي تبدو فيها إسرائيل امام العالم "كدولة ديمقراطية" وجزءً فاعلاً من منظومة الدول الغربية الليبرالية المتحضرة، وبالتالي فإنها مع تركيزها على أهمية الحفاظ على "الطابع اليهودي" والصهيوني لمنظومة الحكم، فإنها لا تمانع بمشاركة "الأقليات" في الحكم- على ان تبقى هذه المشاركة شكلية، ولا تتحدى جوهر الدولة اليهودية، ودوام حكم الغالبية الصهيونية فيها.

ان الصورة المرتسمة من اقتصار الساحة السياسية الإسرائيلية على هذه الخيارات في تعاملها مع القائمة المشتركة، تعني ان النواب العرب هم خارج "اللعبة السياسية" وفق كل السيناريوهات، وأن تأثيرهم الممكن محصور إما باستعمالهم من التيار الثاني فزاعة، لتخويف التيار الأول ودفعه للدخول في حكومة "وحدة وطنية - يهودية" تجمع مصالح التيارين، وإما استعمالهم كفزاعة من التيار الأول للتحريض على التيار الثاني وخياراته السياسية والدفع به الى أحضان "حكومة الوحدة الوطنية- اليهودية" أيضاً، وفي كلا الحالتين يبقى هامش المناورة والمبادرة امام المشتركة محدوداً! ويبقى تأثيرها الافتراضي محدوداً أيضاً.

كل هذه السيناريوهات القاتمة، وامكانيات ازديادها سوءً إذا ما جرت جولة انتخابات ثالثة، تعني ان من واجب المؤسسات التمثيلية وبرأسها "لجنة المتابعة العليا" بالتعاون مع "القائمة المشتركة" و"لجنة الرؤساء" العمل من أجل التحضير لعقد "مؤتمر وطني" واسع، لصياغة "البرنامج الوطني" الشامل، لنتصرف كشعب أصلاني (وليس "كمصوتين" او "أقليات" متفسخة)، وأن نقرر ونرسم معالم دوائر التأثير التي تناسب هذا البرنامج وتساهم بتحقيقه وفق خطة عمل شاملة، تشمل استعمال الأدوات النضالية الملائمة، وبضمنها المحلية، البرلمانية، والدولية، والبحث عن بدائلها اذا لزم- ليس من أجل التأثير على السياسة الاسرائيلية وتحصيل الحقوق المدنية والجماعية فحسب، بل من اجل الاستعداد لمرحلة قادمة آخذة بالتشكّل بدعم من الاتجاه السائد بسيطرة التيارات المتطرفة على النظام السياسي، في الحكومة والبرلمان وجهاز القضاء، علاوةً على ازدياد نفوذها في مفاتيح الحكم ومؤسساته، كما في الجيش والشرطة والأكاديميا ومنظمات المجتمع المدني المتجندة لخدمة الأجندات اليمينية والفاشية.


 

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات



محمد زيدان 

كلمة العدد - صحيفة حديث الناس

لقد تجاوزت الكثير من الصراعات المجتمعية التي يشهدها مجتمعنا حدود "الأزمات المقبولة"، مما يمكن الصمت عليها او تجاوزها بمجرد تحميل الشرطة المسؤولية المباشرة عن تفاقمها. صحيح أن محاربة الجريمة المنظمة هي من مسؤولية الشرطة، وأن جمع السلاح المنتشر ومكافحة العنف هو من صلب مسؤوليتها المباشرة. ولكن علينا ألاّ ندفن رؤوسنا بالرمال ونتجاهل حقيقة وجود الكثير من "الصراعات" وحالات العنف والأزمات – الفردية والجماعية - التي تتأسس على خلافات وصراعات "داخلية"، لا تلقى لها أي عنوان او إطار لوأدها في المهد، ولا تجد وسائل ومحاولات لحلّها في بداياتها، مما يرشحها الى التأزيم والتفاقم لندفع بأكثر من 80 ضحية سنوية من أبناء وبنات مجتمعنا.

ما حصل مؤخرا في قرية طرعان، هو نموذج للكثير مما يحصل في مجتمعنا: إشكال "صغير" بين "عقلاء" (خلاف على الإمامة في مسجد!!)، يتجاوز المنطق وكل محرمات مجتمعنا، يتطور لإشكال "جماعي"، ليصل حد الهاوية، فيتجاوزها مدفوعاً ببعض المحرضين وصمت الغالبية، مدفوعاَ بغيا آليات جاهزة تمتلك شرعية التدخل، ينزلق بفعل التهور وتداخل الصراعات العائلية، ليصل حد القتل، وحينها تصبح إمكانيات الحل والتدخل أصعب اضعاف المرات مما لو بدأت في محاولات الحل للإشكاليات وهي فردية ودائرة المشاركين فيها صغيرة.

ما تشهده قرية وكفرمندا من شجارات وعنف متواصل منذ أكثر من عام (بسبب الصراع المستمر على السيطرة على السلطة المحلية!)، يتحول لكابوس ومسلسل من المشاجرات العائلية التي يشارك المئات من شباب البلدة فيها، لتدخل القرية في قائمة البلدات المنكوبة بالنزاعات الضاربة للجذور، بما يحد او يقلل من امكانيات حلها قبل أن تتفاقم لجرائم قتل لا سمح الله.

هذه النماذج وغيرها الكثير من "الصراعات العائلية" أو "النزاعات الداخلية" صارت أساساً  للكثير من الشجارات المتكررة في البلدات العربية، كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك ما يمكن القيام به داخلياً لتحصين مجتمعنا وتخليصه من بعض أزماته الداخلية والعمل على نزع فتيل التوتر والنزاعات وحلها، قبل ان تتأزم وتتضاعف عواقبها.  

لنترك تركيزنا على اتهام الشرطة فقط، دون أن نعفيها من مسؤولياتها ونواصل مطالبتها بما هو واجب عليها. لنعمل على إحياء بعضاً من تراث الإصلاح ومجموعات الحماية والاحتكام المجتمعي العاقل والموَّجَه، من خلال بناء الوسائل الأهلية البديلة، كالوساطة والتحكيم والإصلاح، وتطوير كل ما يمكن من الوسائل الأهلية والمجتمعية الملائمة لحل النزاعات ووأد الخلافات في مهدها. علينا ان نعمل على تسخير القدرات المجتمعية الاكاديمية والمهنية الكامنة وتجنيدها وتنظيمها في عملية حماية السلم المجتمعي والأمن الأهلي. إضافة الى العمل على زيادة الفعاليات الثقافية غير المنهجية، واشراك كافة القطاعات الشبابية والمجتمعية بهدف ترسيخ ثقافة احترام التعددية والاختلاف، والتربية للحوار وأساليب حل الصراعات والخلافات سلمياً. وهذا دورٌ يمكن للأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية والتربوية المحلية والقطرية، والمجالس المحلية واللجان الشعبية والأهلية، العمل من أجله، لخلق التوافق على الآليات المناسبة، وضمان مشروعيتها المجتمعية وحاضنتها الاجتماعية والوطنية، ليس في طرعان وكفرمندا فحسب، بل في كل بلداتنا العربية.

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات

10‏/03‏/2019

 قناة الميادين - حوار حول الانتخابات الاسرائيلية مع د احمد طيبي - (مداخلتي في الدقيقة 21:40 ) ة

برنامج خلف الجدار - 09-03-2019