25‏/01‏/2010

لا لقتل النساء , لا للقتل والعنف في مجتمعنا



* محمد زيدان *


لقد اكدت المواثيق والاعلانات الدولية لحقوق الإنسان على ان " حقوق المرأة والطفل الانثى(الطفلة) هي جزء ثابت متكامل لا يتجزأ من حقوق الإنسان العالمية غير القابلة للتصرف "، بالإضافة لتأكيدها على أن العنف ضد المرأة ينتهك ويعيق أو يبطل تمتع المرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن كافة أشكال العنف القائم على أساس "نوع الجنس" تعتبر أمورا تتنافى مع كرامة الإنسان وقدره. كما أكدت هذه المواثيق على مبادئ أساسية متعلقة بعالمية حقوق الإنسان وشموليتها ومبدأ ترابط هذه الحقوق وعدم جواز تجزئتها أو الانتقائية في تنفيذها, وذلك مقابل كافة المحاولات الجارية للانتقاص من هذه الحقوق على قاعدة الخصوصيات بمختلف أنواعها ومحاولة الرجوع إلى الموروث الثقافي والاجتماعي كمبرر للنكوص بهذه الحقوق أو التراجع عنها وتبرير مخالفتها.
العنف ضد المرأة هو أحد أسوأ أشكال انتهاك الحقوق الاساسية للمرأة لما يتضمنه من مسٍ بالكرامة البشرية التي هي اقدس مميزات بني البشر, والعنف ضد المرأة يعني " أي عمل من أعمال العنف القائم على نوع الجنس ترتب عليه, أو من المحتمل أن يترتب عليه, أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة ... سواء حدث ذلك في الحياه العامة أو الخاصة ". يشمل العنف لذلك أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في الأسرة مثل الضرب, ختان الإناث , ضرب الزوجات وغيرها ... بالإضافة لتلك الاعتداءات التي تحدث داخل المجتمع بوجه عام وتصل حد قتل النساء بمسمياته المختلفه. والعنف المسلط على المرأة ليس شأنا فرديا ولا يخص النساء فقط, ولذلك يجب نقل التعامل معه عن كاهل النساء إلى الحيز العام، من خلال نقاش الظاهرة علناً كقضية مجتمعية اساسية في البحث عن سعادة الفرد وحقه بالامن والامان. ودون ان نغفل الدور الاساسي للمجتمع نؤكد على مسؤلية الدولة بحماية كل مواطنيها من الجرائم وبضمنها جرائم العنف بمختلف أشكالها, بغض النظر عن هوية مرتكبيها، وحين لا تتخذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية اللازمة لمنع وقوع الجريمة او العمل على منعها (من خلال الوقاية والتوعية قبل حدوث الجريمة، مع العقاب والردع في حال حصولها) فإنها بذلك تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية, بل وأنها من خلال امتناعها هذا تساهم في تشجيع الجريمة وتوفير الاجواء الملائمة لانتشارها – وفي حالتنا فاننا لا نتوقع من حكومة اسرائيل شيئا غير ذلك.
قتل النساء مسؤلية المجتمع : تنبت غالبية اعمال العنف ضد النساء بمختلف اشكالها (وبضمنها القتل) بالاساس على التربة الخصبة للأنماط الاجتماعية والثقافية - لسلوك الرجل والمرأة - التي ينتجها المجتمع على شكل "العادات والتقاليد العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الإعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة"، ويتخذ مدى تلائم الأعراف والثقافات المحلية لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانية العالمية اهمية قصوى لما في ذلك من تأثير على تحديد الأدوار للرجل والمرأة، وطبيعة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وامكانية الوصول والمشاركة في التحكم بالموارد, وبالتالي بمدى تمتع الرجل والمرأة بحقوقهم الانسانية وحرياتهم الاساسية على قاعدة العدل والمساواة.

فالعنف ضد المرأة هو مظهر من مظاهر علاقات القوى غير المتكافئة بين الرجل والمرأة بالاضافة الى ارتكازه على مفاهيم وتقاليد وقيم تديم تدني مكانة المرأة في الاسرة ومكان العمل والمجتمع المحلي والمجتمع ككل. وبالاضافة لامكانية ربطها بشكل وثيق بازياد مظاهر العنف الاخرى في المجتمع في السنوات الاخيرة، الا انه تبقى لها خصوصيات من حيث منبعها وطرق علاجها التي لا يمكن ان تتحقق دون مشاركة مجتمعية واضحة وراسخة تستند على نقد المواريث الثقافية التي تجيزها, وتدعو الى مكاشفة للفرد مع ذاته، وللعائلة مع افرادها وللمجتمع باسره مع خياراته واعتقاداته, وللقيادات مع قواعدها. هذه المكاشفة هي حجر الزاوية في وضع اي تصور للتغيير، وهي مرحلة لا بد من ان تشارك بها كافة مؤسسات المجتمع بمختلف اطيافها السياسية والاجتماعية والثقافية ليكون تأثيرها اكبر وموقفها اصلب.

ويتطلب التخلص من هذه الآفة الاجتماعية تغييرا مجتمعيا اساسيا يستند الى مبادئ وقيم انسانية حضارية يواجه دعاوى دونية المرأة والتمييز ضدها وحتى وضعها في صورة نمطية وقوالب تجيز الاعتداء ع 1ليها وتبرر قتلها تحت مسميات بائدة. ولان التغيير الاجتماعي احد المهام التي يستحيل تطبيقها بفترة زمنية قصيرة, بالاضافة "للاشكاليات" التي تعيق تنفيذ هذا التغيير والناجمة عن تجذر "الخصوصيات والعادات والتقاليد", فانه لابد من الخروج عن طرح هذه القضية ضمن دوائر الحركات النسوية والنسائية الى الحركات السياسية والاحزاب والمؤسسات الثقافية والدينية والاجتماعية وادماجها في النضال الجماعي من اجل مجتمع افضل (علما ان الكثير من هذه المؤسسات تستريح لبقاء هذه القضية خارج اطرها وتفضل ابعادها عن اجندتها) كي تصبح قضية التخلص من ظاهرة قتل النساء والعنف ضدها قضية مجتمعية بامتياز، يشارك المجتمع بكافة اطيافة بصياغة خطة وبرنامج العمل لمعالجتها وبلورة ثقافة بديلة اساسها انسانية النساء والرجال وتقوم على اسس الإنصاف والحرية.

وفي هذا السياق فاننا ندعو لمفهوم حقيقي للشرف .. كقيمة اجتماعية تتجاوز كثيرا الجنس والعفة المصطنعة, الى مفاهيم الصدق والامانة والعمل المنتج ، والمشاركة في ادارة شؤون المجتمع والمساهمة الفاعلة في مسيرة الرقي والتنمية والبناء, هذا هو المفهوم الذي تدعو اليه ثقافتنا التي نريدها , ثقافة المساواه ضد ثقافة التمييز, وثقافة مستقبلية ضد ثقافة التحنيط , ثقافة تشرك المجتمع كله ضد ثقافة الاقصاء والابعاد, ثقافة التسامح والتعددية ضد ثقافة الاحادية في التفكير والقرار, وثقافة الحرية ضد ثقافة الكبت والتقييد . ثقافة تستبدل الثقافة السائدة التي تعمق شرعية الوصاية على المرأة وتجيز للاخ قتل اخته والإعتداء على حرياتها وحقوقها الانسانية الاساسية, واستبدالها بثقافة تعتمد العدل والعقل, وتكون دافعا للتطور والتغيير النوعي في السلوكيات والعلاقات بين مختلف افراد المجتمع وخاصة بين النساء والرجال .
واخيرا فان احداث هذا التغيير في السلوكيات الاجتماعية يقتضي ايضا استنهاض المثقف الغائب او المغيب، الذي يجب ان يتميز بدوره الطلائعي الرافض لتكبيل الفكر والتقيد بالممنوعات " المفهومة ضمنا", ويتجاوزها ليتحدى مسلمات المجتمع ويطرح الاشكاليات ويعمق النقاش فيها, ليطرح البدائل المؤسسة على خطط استراتيجية لا تعتمد ردود الفعل الآنية لتتجاوزها الى الفعل المؤثر المتواصل، نحو خلق حراك وبيئة ترفض العنف والقتل ضد النساء والرجال، وتعتمد قيماً انسانية في تفاعلها الداخلي مع ازماتها والتحديات الكبيرة التي تواجهها.

* محمد زيدان – مدير عام المؤسسة العربية لحقوق الانسان