19‏/01‏/2021

ثلاث قضايا وتوجه واحد التمييز وثقافة



محمد زيدان

كلمة العدد - صحيفة حديث الناس



العنوان الأول: صفقة ترامب كمناسبة للتخلص من المثلث والعرب:

"صفقة القرن" التي كتبت بمشاركة إسرائيلية أمريكية، طرحت فكرة "تعديل الحدود" من خلال التخلص من منطقة المثلث بسكانها. ويبدو الامر مثيرا لأن إسرائيل خاضت الحروب تلو الحروب منذ عام 48 لتوسيع رقعتها والسيطرة على أوسع مساحات ممكنه، فجأة تعلن استعدادها "لإعادة ترسيم الحدود" و"التنازل" عن مساحة ضمتها بموجب "اتفاقيات رودوس"، وتبادر هي لذلك بذاتها ما دام المقابل هو التخلص من حوالي 300 ألف فلسطيني من "مواطنيها" ما دام الامر مفيداً لتعزيز يهوديتها. 

هي "رؤيا" وضعتها الإدارة الامريكية بالتعاون مع القيادة الاسرائيلية دون أن يطالِب الفلسطينيون بها!، والمفارقة انه لم يحصل بالتاريخ الإنساني أن "تنازلت" دولة عن مساحة منها تطوعاً، حتى دون أن تكون مُطَالَبَةً او مرغمةً لذلك!!، وهذا يظهر مدى تجذر العنصرية في الأرضية التي تقوم عليها هذه الرؤيا، وحجم عدائها للعرب الفلسطينيين على جانبي "الخط الأخضر" الذي لم تأت على ذكره.

الهاجس الديمغرافي لحماية "يهودية الدولة" وضمان استمرار الغالبية اليهودية فيها، يكفي سبباً للتخلص منهم بعد "تعديل الحدود"، بما يضمن التخلص من البلدات بمساحتها المقلصة الحالية، وتغيير مواطنة السكان فيها، مع التأكيد على تجريدهم من حقوقهم وأملاكهم، وضمهم للكيان الهلامي الذي تسميه صفقة ترامب "دولة فلسطينية"، دون الحديث عمّا كانوا يملكونه وصادرته الدولة منذ ضمهم عام 1949.


العنوان الثاني: لجنة الانتخابات تشطب ترشيح النائبة يزبك: 

قررت لجنة الانتخابات للكنيست هذا الاسبوع، شطب ترشح النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي، د. هبة يزبك، ومنعها من الترشح في القائمة المشتركة، وذلك رغم توضيحها المكتوب الذي قدم للجنة وقالت فيه أنها لم تقصد "تأييد العنف"، وأنها لم تكن لتكتب مواقفها بنفس الطريقة التي صاغتها قبل دخولها الكنيست، لكن اللجنة قررت الشطب متجاهلة إعلان المستشار القضائي للحكومة معارضته لهذا الأمر.

وكما في كل جلسات الشطب المتوقعة قبيل كل الجولات الانتخابية، شهدت الجلسة أجواءً متوترة وإطلاق عبارات عنصرية من بعض أعضاء اللجنة، وهم مندوبين عن الأحزاب المنافسة ذاتها، الذين نعتوا النواب العرب بأنهم "مخربون" ويدعمون الارهاب. وقد صوت مع طلب الشطب (الذي قدمته أحزاب اليمين المختلفة) 27 عضواً، بينهم مندوبين عن أحزاب "كحول لافان" و"حزب العمل" المتحالف مع ميرتس!) فيما عارضه 7 أعضاء.

 ويأتي قرار اللجنة في عملية إجرائية بعيدة كل البعد عن النظم الديمقراطية المقبولة. فيما اعتبره المراقبون "قراراً سياسياً بحتاً، يستند في كل حيثياته على العنصرية ومحاولات كسب الأصوات من خلال التحريض على المواطنين العرب وممثليهم السياسيين المنتخبين".


العنوان الثالث: الدبلوماسية التي لا تتذكر العربي، تتعاظم عندما يكون المواطن يهودياً 

المتتبع لأخبار النشاط الديبلوماسي المحموم الذي أدى لإطلاق سراح الشابة الإسرائيلية (نعمة يسخار) من السجن الروسي بعد اعتقالها بتهمة حيازة المخدرات، يكاد يجزم ان هذا النشاط السياسي والإعلامي المحلي والدولي ليس طبيعياً ولا متناسقاً مع ما تقوم به الدول في مثل هذه القضايا والحالات المشابهة.

ان تهتم الدولة بترتيب لقاءات للعائلة مع الرئيس بوتين، وأن يُطرح الموضوع على جدول زيارة الأخير الى البلاد، وأن يسافر رئيس الحكومة نتنياهو خصيصاً الى روسيا أكثر من مرة للبحث في قضيتها. وان يسافر بطائرته من واشنطن الى موسكو كي يصحبها الى تل ابيب، هو بالتأكيد امرٌ مستهجن!. هذا إضافة الى المساحة التي أفردتها وسائل الاعلام على أنواعها لهذه القضية، وجعلها تتحول من قضية شخصية إلى قضية "رأي عام" جارف مؤيد ومساند للإفراج عنها!!

ويتخذ هذا الامر أهمية خاصة عندما تستوجب المقارنة بين تلك الجهود الجبارة والموارد غير المتناهية التي صرفت عليها، مع القضايا العالقة المتعلقة بالمواطنين العرب وما يواجههم في الخارج، وغياب المبادرة والاستعداد للدفاع عنها وتقديم الدعم لها من قبل الدولة وسفاراتها في الخارج.

ويكفي ان نذكر لتجسيد هذه الفروقات قضية الشاب "يوسف إبراهيم مجدوب" ابن مدينة طمرة المعتقل في تركيا منذ كانون اول الماضي، الذي لم تسعفه كل النداءات التي وجهتها عائلته لمؤسسات الدولة الرسمية بطلب المساعدة لها ولابنها، الذي يواجه تهماً باطلة وفق العائلة ويقدم للمحكمة التركية بموجبها. 

كما تستوجب المقارنة التذكير بقضية ابنة باقة الغربية "لطيفة زياد" التي اختفت آثارها خلال رحلة استجمام في مدينة باريس منذ 8/10/2019، ولا يزال الغموض يكتنف اختفاؤها والحالة التي تعيشها بعيدة عن العائلة، هذه القضية التي لم تلقى أيضا ولو الجزء اليسير من الاهتمام والمتابعة من الدولة.

ان مجرد المقارنة تظهر بما لا يدع مجالا للشكل وجود معايير مزدوجة وسياسة من التمييز على أساس عنصري في تعامل الدولة ومؤسساتها ليس في القضايا السياسية والمدنية فحسب بل وحتى في القضايا ذات البعد الإنساني والحقوق الأساسية.

 


المرافعة الدولية، بين عبث السياسة وفعل القانون!



محمد زيدان

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

كثيرا ما حملت عناوين البيانات الصحفية لنشاط الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، اخباراً تفيد بتوسيع دائرة العمل وأساليب النضال لتشمل "المرافعة الدولية" أو "التدويل"، باعتبارها أداة نضالية غابت عن "صندوق معدات العمل"، وحتى تم تغييبها عمداً، نتيجة القصور عن فهمها وفهم أبعادها وطرق تنفيذها بنجاعة وتأثير. واقتصر العمل لفترة طويلة على بعض المؤسسات الأهلية التي غردت خارج السرب بعد أن اثبتت تجاربها عجز الآليات المحلية المستعملة (البرلمانية والقضائية وغيرها) عن تحقيق الأهداف المرجوة من المرافعة امامها.

وقد شهد الأسبوع الأخير الإعلان عن حدثين جسدا نموذجين مختلفين من هذا العمل، يمكن الاستفادة من الدروس المستخلصة منهما، لتنجيع الاستعمال المتزايد لهذه الآلية:  

فشل مجلس الأمن، رأس الهرم في جلسته حول القضية الفلسطينية

يمثل مجلس الامن الدولي رأس الهرم الفاعل في الأمم المتحدة لمناقشة قضايا "الأمن والسلم العالمي"، باعتباره صاحب القرارات النافذة والملزمة، لكنه يمثل زبدة نتاج الحرب العالمية الثانية، وما تأسس من بعدها في النظام العالمي، لحماية مصالح الدول المنتصرة التي احتكرت لنفسها العضوية الدائمة في المجلس وحق النقض الفيتو (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا). وبالتالي فإن خضوع المجلس للابتزاز من هذه الدول، واستغلال موازين القوى بين المعسكرات الناشئة، هو أمر يجب التعامل معه لمن يقرع أبواب هذا المجلس، الذي فشل حتى اليوم بتنفيذ الكثير من قراراته الجادة بالقضية الفلسطينية.

هذا الأسبوع شهدنا خطاب الرئيس الفلسطيني أمام المجلس في جلسته، التي تحولت بعد الفشل الفلسطيني بجمع التأييد الكافي لتقديم "اقتراح قرار" يصوت المجلس عليه، تحولت لما يعرف بجلسة "الإحاطة"، وهي جلسة استماع عامة لتبادل معلومات ومواقف لا أكثر، ولا يصدر عنها سوى بيان يرصد أبرز ما جاء بها، تنشره الأمم المتحدة على صفحاتها قبل أن يخزن في ارشيفها مع ملايين الأوراق والملفات المتكدسة!

والحقيقة التي يجب المجاهرة بها، أن الجلسة كانت فشلاً ذريعا ليس للفشل الفلسطيني بجمع الدعم الكافي لتقديم اقتراح للتصويت فحسب، بل لأنها أظهرت التغير الحاصل في الميزان الدولي، وتعامل دول العالم مع مصالحها الذاتية فقط، بعيداً عن القيم العالمية والقانون الدولي، وخضوعها للضغط والتهديد الأمريكي الذي صار سيد الموقف في الأجسام الأهم في الديبلوماسية العالمية، حتى مع الدول التي طالما اعتبرت في مجموعة الأصدقاء الداعمين للحق الفلسطيني.   

ومع الأسباب الموضوعية للفشل الفلسطيني تضاف الأسباب الذاتية التي من أبرزها هزالة الخطاب الدولي، واعتماده على الإسهاب بالتحليل والخروج عن النصوص، بصيغة "اجتمعت مع ترامب، الزلمة منيح"!!، و "نسيبه ابن الحسب والنسب"، أو خطاب "رضينا بالبين، والبين ما قبل فينا!!" وغيرها من الأمثلة التي لا تصلح لتمثيل قضية بحجم قضية الشعب الفلسطيني، وتخرج عن الأعراف واللغة الدولية، علاوة على أن خطاب التباكي والمسكنة، وخطاب الضحية الضعيف "الذي جرب كل شيء ولم ينجح"، هو خطاب غير ناجع بأقل الاعتبارات، ان لم يكن مضراً ومنفراً بأغلب الأحيان، وأن ما يصلح للقاءات الجامعة العربية، لا يصلح في الدبلوماسية الدولية.

ان تحريك الرأي السياسي الدولي في عالم المصالح، يتطلب الجمع الصحيح بين تعزيز المحلي واتقان العالمي، ولن يكون الا بتفعيل عناصر القوة التي تم تحييدها منذ أوسلو، وإن الإعلان المسبق عن الاستمرار بتحييد الناس، وقمع الشارع وحراكه، يمثل تجريداً مسبقاً من سلاحٍ ناجع، ويعني الخروج للمعركة الدبلوماسية ضعيفاً مجرداً من كل عناصر القوة.

"مجلس حقوق الإنسان"، وقائمة العار للشركات

"مجلس حقوق الإنسان" هو أقل قوّة تنفيذية، لكنّه يمثل الإطار المتخصص والأهم الذي يتبع "مفوضية العليا لحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة. ومهما هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة مصداقيته، يبقى قبلة الحراكات الشعبية، والمجتمعات المدنية، كما الدول والشعوب في سعيها لتحصيل الاعتراف العالمي بعدالة قضيتها. 

أصدر المجلس هذا الأسبوع تقريراً خاصاً شمل قائمة بالشركات التي ترتبط أعمالها ونشاطاتها الاقتصادية بدعم المستوطنات والاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة. ويأتي هذا التقرير تنفيذاً للقرار الذي صدر عن المجلس منذ عام 2016، وحاولت الولايات المتحدة تأجيله ومنع صدوره، وقد طالب القرار بإعداد هذه القائمة، نشرها وحتلنتها دورياً. علماً بأن المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة، تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، كما اعتبره "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، المعتمد في العام 1998 مخالفة ترتقي لجرائم الحرب، وبالتالي فإن تعامل هذه الشركات مع الاستيطان أو دعمه يمثل دعماً ومشاركة في الجريمة الخطيرة.

إن الإصرار الفلسطيني على تجنيد الدعم الدولي، وعدم الخضوع للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية في هذه القضية، والإصرار على صدور التقرير تنفيذاً للقرار المتخذ، يمثل نموذجاً آخراً من التجربة الفلسطينية في العمل الدولي، ومثالاً لترابط عمل الجمعيات الحقوقية والدبلوماسية الفلسطينية، للاستفادة مما يتيحه هذا النظام من أدوات ناجعة، إن أحسنت الأطراف استعمالها بمهنية والتزام وشجاعة.

(محمد زيدان – طاقم التحرير)

 

 الإعلام وحاجة مجتمعنا للدعم والخدمات النفسية والاجتماعية



محمد زيدان 

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

تناقلت وسائل الاعلام والمواقع الإخبارية المحلية قبل أيام خبراً مفاده قيام والدة من إحدى القرى بطعن طفلها، ومحاولة الانتحار بعد ذلك. ورغم ان الخبر لم يكن من تلك الأخبار التي أضحت للأسف اعتيادية في مجتمعنا وبلداتنا، الا انه يمثل إشارة حمراء وناقوساً قَرَعَ قضية قلّما يتم تناولها والتعمق بها في إعلامنا أو مؤسساتنا الأهلية على اختلاف اهتماماتها.

عندما يكون الحديث عن "حالات الانتحار" على سبيل المثال، اعتادت وسائل الإعلام التحدث عنها تحت عنوان "الموت بظروف تراجيدية"!!، ووضعها تحت باب الأخبار القصيرة، دون ان تبذل جهداً معقولاً لتوضيح تلك "الظروف" التي تحمل طالباً او امرأةً او شاباً لوضع حدٍ لحياته التي لم تبدأ بعد! وبشكل عام لا يحتوي النشر المعلومات الكافية لفهم تفاصيل الحادث وحيثياته الحقيقية. وكما الكثير من القضايا الاجتماعية الهامة، فإن "القضايا النفسية"، يتم أيضاً "كنسها تحت السجادة"، والتغاضي عنها، ولا يتم إفراد مساحةٍ كافية لمعالجتها ونشرها في إعلامنا بشكل بارز، مما يحرم مجتمعنا ليس من حقه بالمعرفة فحسب، بل والأخطر من ذلك حقه بالاستفادة من هذه القضية من أجل التوعية وتحصين افراده، لمنع حالة الانتحار التالية او الجريمة القادمة.

علينا ان نبدأ بالتعامل مع "مشاكلنا الاجتماعية" وضغوطاتنا النفسية باعتبارها أحد المسببات الأساسية لازدياد حالات العنف المستشري في بلداتنا العربية. والتعامل مع الجرائم التي تنتج عنها بشكل جدي ومسؤول، فهي ليست مجرد "جريمة أخرى"، ولا يجب ان تكون رقماً يُضاف لقائمة الجرائم التي تعصف بمجتمعنا على اختلاف انتماءاته.  وعلينا الاعتراف بوجود أمور قد يستبعد العقل السَويّ حدوثها داخل بيوتنا أو في علاقتنا العائلية "التقليدية"، كعلاقة الأم بأطفالها وعلاقة الأبناء بوالديهم.

 علينا ان نعترف ان تغيرات بنيوية وهامة، حصلت نتيجة ضغوطات الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية التي تضرب غالبية عائلاتنا العربية، وبضمنها تراكم الديون والقروض وتزايد احتياجات نمط الحياة الاستهلاكية، مقابل تراجع المدخولات. وانه يمكن لمشكلات العمل او الدراسة، او التعقيدات والمشاكل الأسرية بين الأزواج، او الاختلافات والخلافات بين الآباء والأبناء وتغيرات نمط الحياة وغيرها، أن تؤدي لخلق ضغوطات نفسية قد لا يعرف البعض التعامل معها بشكل نسبي ومقبول. وعلينا ان ندرك أنّ حصول هذه التراكمات والتغيرات يتزامن مع تقلّص هامش الدعم المجتمعي والعائلي التقليدي الذي وفر بالماضي مساحات "لتفريغ الطاقات السلبية" وتقديم الدعم والنصح الكفيل بتجاوزها.

ان الحديث عن هذه الضغوطات والمشاكل النفسية في فضاءات الإعلام المختلفة، وبضمنها مواقع التواصل الإجتماعي، دون خجل ومواربة وبشكل مسؤول، يمكنه أن يساهم بتوفير مناخٍ مريحٍ لمعالجة هذه المشاكل والتعامل معها بطريقة علمية وإيجابية، قبل استفحالها لتصل حدّ الجريمة. ومع توفر الشرعية المجتمعية يصبح الباب مفتوحاَ أيضا للمطالبة بتوفير الأطر المهنية المناسبة لمعالجة هذه المشاكل والازمات، ليس باعتباره حاجةً فحسب، وانما حقاً من حقوق الفرد على مجتمعه، علاوة على كونه حقاً من حقوق الإنسان والمواطن الأساسية التي لا يمكننا الاستمرار بتجاهله والتعامل معه "كنقيصةٍ" أو إهانة لمن يحتاجه او يعمل من اجله.

وأخيرا فإن الأبحاث والتجارب العلمية تؤكد أن الدعم العائلي والاحتواء، وتوفير أدوات المساندة من المحيط الاجتماعي، تمثل العامل الأوّل للعلاج، كما أن توفير أجواء المصارحة داخل البيت الواحد وحماية الشرعية لكل فرد لمشاركة مشاعره الإنسانية وتقبلها كما هي، بالإضافة للتخلص من "الأفكار النمطية" المسبقة والهدامة، من شأنه أن يفتح الباب أمام من يحتاج للتوجه للمرافقة الطبية أو المهنية المختصة، دون تردد أو خوف أو خجل من العواقب الاجتماعية التي يمكن أن يواجهها نتيجة ذلك.




 



 

تدفيع الثمن والإرهاب اليهودي الجريمة القادمة مسألة وقت!!



محمد زيدان -
كلمة العدد صحيفة حديث الناس

"العرب أعداء يجب طردهم أو قتلهم"، "أيها اليهود أفيقوا واطردوا العرب" وغيرها من الشعارات العنصرية تركتها مجموعات "تدفيع الثمن" على جدران البيوت والمسجد في قرية منشية زبدة (شمال مرج ابن عامر) ، بعد قيامها بإعطاب وتمزيق عجلات قرابة 100 سيارة. ويعتبر هذا الاعتداء حلقة جديدة تضاف لسلسة الاعتداءات التي ترتكبها هذه الجماعات منذ سنوات دون ان تقوم الدولة بما يكفي لإنهاء نشاطها المتصاعد في عدوانيته.

إن سيطرة "ثقافة الاستيطان" على مفاتيح السلطة والقوى في الدولة، والتي بدأت منذ أواسط التسعينات، تستند لتثبيت الغالبية العظمى لشرعية الاستيطان في المناطق المحتلة، وإخراجه من أي نقاش حول الحلول الممكنة باعتبارها "جزءً من الأرض الموعودة لليهود". وقد اعتادت هذه المجموعات الإرهابية على القيام بنشاطات عنصرية واعتداءات يومية مستمرة ضد المزارعين الفلسطينيين ومنعهم من الوصول لأراضيهم، وقطع الأشجار وحرق المحاصيل والمباني الزراعية، بالإضافة للاعتداءات الفعلية وحتى الجسدية التي من أبرزها "مذبحة الحرم الابراهيمي" التي نفذها الإرهابي باروخ غولدشتاين عام 1994، وراح ضحيتها 29 مصلياً، وجرح 150 آخرين، خطف الطفل محمد أبو خضير من القدس وقتله حرقاً عام 2014، بالإضافة لحرق عائلة الدوابشة في قرية دوما عام 2015، وغيرها المئات من الاعتداءات المباشرة ذات الطابع العنصري الإرهابي.

وفي مرحلة لاحقة انتقلت هذه المجموعة لتنفذ جرائمها ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر أيضا، والتي غالباً ما كانت تتمثل بإعطاب سيارات وكتابة شعارات معادية للعرب، والداعية لقتلهم او طردهم. كما أخذت بتصعيد اعتداءاتها ذات الخطاب العنصري والداعي للكراهية القومية والدينية من خلال الاعتداء على المساجد والكنائس، التي وصلت ذروتها بإحراق مسجد طوبا الزنغرية، وكنيسة "الخبز والسمك" في الطابغة قرب طبريا.

ان هذه المجموعات الإرهابية لم تأت من فراغ، وانما خرجت من قلب حركة الاستيطان الصهيونية المتدينة، وتُدرَّس مناهجها العنصرية في المدارس الدينية على مرآى ومسمع الأجهزة الأمنية، وبميزانيات سخية من الحكومة الإسرائيلية، التي فشلت في القيام بالحد الأدنى لوقف الظاهرة، ليس بالقبض على المجرمين وتقديمهم للقضاء فحسب، بل فشلت أيضاً في وضع حدٍ لمصادر التمويل التي تصل "مدارس الإرهاب" و"كليات الكراهية" التي ترعى "خط انتاج" فاعل للإرهابيين، الذين لم يتوقف "انتاجهم" وتدريبهم شبه العسكري منذ نشوء حركة كاخ العنصرية في السبعينات من القرن الماضي.

التسميات مهمة: هي حركات إرهابية وما تقوم به لا يمكن تسميته الا إرهاباً وفاشية، وانتقال نشاطاتها الى داخل البلاد ينبئ بتعاظم قوتها بعد الدعم السياسي من الأحزاب اليمينية التي لا تعتمد على أصوات المستوطنين فحسب، بل تمثل ذراعا سياسياً لمصالحها واجنداتها من خلال القوانين التي تقر (تطبيق قوانين إسرائيلية على المستوطنات وما يمثله من تنفيذ لرغبة ضم المناطق المحتلة على سبيل المثال، وتخصيص الميزانيات لتوسيع الاستيطان، والعمل لضم الأغوار..) والمثير للمراقب أن هذه الاجندات والشعارات صارت تحظى بدعم واجماع يتجاوز التيارات السياسية اليمينية والاستيطانية التقليدية التي صارت ممثلة لوزارات مهمة بالحكومة، لتحظى بدعم غالبية الحزب الحاكم -الليكود، كما اوساطا في حزب المعارضة الأكبر، كحول لافان (ازرق أبيض).

ان تزايد التحريض من المؤسسة الحاكمة وبرأسها رئيس الحكومة، والتي من المرشح تصاعدها مع دخول البلاد لجولة انتخابية ثالثة، يمكن أن ينبئ بمرحلة قاتمة قادمة، فالانتقال من التحريض وكتابة الشعارات للاعتداء على الأملاك لم يكن يحتاج للكثير من الجهد من هذه المجموعات الإرهابية. ومن النظر الى انزلاق الأمر وتدهوره في المناطق المحتلة عام 67، يظهر أن الانتقال من الاعتداء على الممتلكات الى القيام باعتداءات على المواطنين وتنفيذ القتل، وحتى ارتكاب المجازر هو مسألة وقت لا أكثر. وهو ما يتوجب على مؤسساتنا التمثيلية الاستعداد والعمل لمنعه باعتباره خطرا حقيقيا داهماً. 

محمد زيدان – طاقم التحرير


 

مسار تشكيل الحكومة، ومكانة العربي في الدولة اليهودية


كلمة العدد - صحيفة حديث الناس 

محمد زيدان

مع انتهاء المهلة التي يمنحها القانون لمندوبي الأحزاب الكبرى لتشكيل الحكومة أول أمس، ظهرت صورة قاتمة حملت أشكالاً متعددة من التحريض والعنصرية تجاه الأقلية الفلسطينية في البلاد. وبالوقوف عند بعض معالمها، بتجاوز "التوصيف" للحاصل (كما حصل في معظم وسائل الاعلام، العربية والعبرية) والتعمق والاستثمار بالتشخيص ومواجهة الحقيقة بدل ذلك، في محاولة للوصول لمعرفة "الوصفة" التي من شأنها ان تقودنا للتعرف على "الدواء" الفاعل لمعالجتها.

الصورة الأولى، تشكيل الكتلة اليمينية حول حزب الليكود، والتي تشكلت بشكل شبه طبيعي وسريع من غالبية الأحزاب التي تشارك بحكومة نتنياهو الأخيرة، والتي ليس بينها خلافات تمنعها من تشكيل "كتلة ال 55" التي أجمعت على استمرار نتنياهو برأس الحكومة، وضمت بالإضافة لليكود الأحزاب الدينية الحريدية، وأحزاب اليمين الاستيطاني. وتبرز خطورة هذه المجموعة (يضاف اليها حزب ليبرمان) في أن استثناء القائمة المشتركة منها، بدا "أمراً طبيعياً ومفروغاً منه". وتجسد هذه المجموعة موقف التيارات الاستيطانية، التي تركز على "يهودية الدولة" باعتبارها القيمة العليا، وبالتالي تدعم التمييز وحتى الفصل العنصري والمساس بحق المجتمع العربي ليس بالحقوق فحسب، بل بالوجود حتى كمواطنٍ غير متساوٍ في الدولة اليهودية. وبالتالي فإن تصريحات نتنياهو وليبرمان باعتبار القائمة المشتركة "خطراً وجودياً" وأعضاء الكنيست العرب "طابوراً خامساً"، تمثل أبرز تعبيرٍ عن رؤية هذا التيار ورؤيته للمجتمع الفلسطيني في البلاد، علاوة على تأييده لفكرة ضم المناطق الفلسطينية المحتلة- والتملص من أي التزام ممكن ان يؤدي لدولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل.

الصورة الثانية، التيار المتشكل حول "حزب الجنرالات"، والذي يشمل تحالف "كحول لافان" مع العمل، ميرتس وبراك، ودعم ترشيح الجنرال جانتس لرئاسة الحكومة. هذا التيار الذي ضم بالإضافة للجنرالات (ممثلي المؤسسة العسكرية) ممثلين من الصهيونية الليبرالية (يمين، مركز ويسار صهيوني). هذا التيار يرى أن قيادة اليمين للدولة قد أدت لأزماتها الداخلية المتمثلة بسيطرة التيارات الدينية المتزمتة على المال والحيز المدني العام في الدولة، إضافة لتهديد علاقات الدولة مع دول العالم. وأن استمرار هذا الوضع يمكن ان يمس أيضا بعلاقة إسرائيل مع الجاليات اليهودية المؤثرة في الولايات المتحدة وأوروبا. تنظر هذه المجموعة الى مكانة الأقلية الفلسطينية في البلاد، من زاوية الحفاظ على الصورة التي تبدو فيها إسرائيل امام العالم "كدولة ديمقراطية" وجزءً فاعلاً من منظومة الدول الغربية الليبرالية المتحضرة، وبالتالي فإنها مع تركيزها على أهمية الحفاظ على "الطابع اليهودي" والصهيوني لمنظومة الحكم، فإنها لا تمانع بمشاركة "الأقليات" في الحكم- على ان تبقى هذه المشاركة شكلية، ولا تتحدى جوهر الدولة اليهودية، ودوام حكم الغالبية الصهيونية فيها.

ان الصورة المرتسمة من اقتصار الساحة السياسية الإسرائيلية على هذه الخيارات في تعاملها مع القائمة المشتركة، تعني ان النواب العرب هم خارج "اللعبة السياسية" وفق كل السيناريوهات، وأن تأثيرهم الممكن محصور إما باستعمالهم من التيار الثاني فزاعة، لتخويف التيار الأول ودفعه للدخول في حكومة "وحدة وطنية - يهودية" تجمع مصالح التيارين، وإما استعمالهم كفزاعة من التيار الأول للتحريض على التيار الثاني وخياراته السياسية والدفع به الى أحضان "حكومة الوحدة الوطنية- اليهودية" أيضاً، وفي كلا الحالتين يبقى هامش المناورة والمبادرة امام المشتركة محدوداً! ويبقى تأثيرها الافتراضي محدوداً أيضاً.

كل هذه السيناريوهات القاتمة، وامكانيات ازديادها سوءً إذا ما جرت جولة انتخابات ثالثة، تعني ان من واجب المؤسسات التمثيلية وبرأسها "لجنة المتابعة العليا" بالتعاون مع "القائمة المشتركة" و"لجنة الرؤساء" العمل من أجل التحضير لعقد "مؤتمر وطني" واسع، لصياغة "البرنامج الوطني" الشامل، لنتصرف كشعب أصلاني (وليس "كمصوتين" او "أقليات" متفسخة)، وأن نقرر ونرسم معالم دوائر التأثير التي تناسب هذا البرنامج وتساهم بتحقيقه وفق خطة عمل شاملة، تشمل استعمال الأدوات النضالية الملائمة، وبضمنها المحلية، البرلمانية، والدولية، والبحث عن بدائلها اذا لزم- ليس من أجل التأثير على السياسة الاسرائيلية وتحصيل الحقوق المدنية والجماعية فحسب، بل من اجل الاستعداد لمرحلة قادمة آخذة بالتشكّل بدعم من الاتجاه السائد بسيطرة التيارات المتطرفة على النظام السياسي، في الحكومة والبرلمان وجهاز القضاء، علاوةً على ازدياد نفوذها في مفاتيح الحكم ومؤسساته، كما في الجيش والشرطة والأكاديميا ومنظمات المجتمع المدني المتجندة لخدمة الأجندات اليمينية والفاشية.


 

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات



محمد زيدان 

كلمة العدد - صحيفة حديث الناس

لقد تجاوزت الكثير من الصراعات المجتمعية التي يشهدها مجتمعنا حدود "الأزمات المقبولة"، مما يمكن الصمت عليها او تجاوزها بمجرد تحميل الشرطة المسؤولية المباشرة عن تفاقمها. صحيح أن محاربة الجريمة المنظمة هي من مسؤولية الشرطة، وأن جمع السلاح المنتشر ومكافحة العنف هو من صلب مسؤوليتها المباشرة. ولكن علينا ألاّ ندفن رؤوسنا بالرمال ونتجاهل حقيقة وجود الكثير من "الصراعات" وحالات العنف والأزمات – الفردية والجماعية - التي تتأسس على خلافات وصراعات "داخلية"، لا تلقى لها أي عنوان او إطار لوأدها في المهد، ولا تجد وسائل ومحاولات لحلّها في بداياتها، مما يرشحها الى التأزيم والتفاقم لندفع بأكثر من 80 ضحية سنوية من أبناء وبنات مجتمعنا.

ما حصل مؤخرا في قرية طرعان، هو نموذج للكثير مما يحصل في مجتمعنا: إشكال "صغير" بين "عقلاء" (خلاف على الإمامة في مسجد!!)، يتجاوز المنطق وكل محرمات مجتمعنا، يتطور لإشكال "جماعي"، ليصل حد الهاوية، فيتجاوزها مدفوعاً ببعض المحرضين وصمت الغالبية، مدفوعاَ بغيا آليات جاهزة تمتلك شرعية التدخل، ينزلق بفعل التهور وتداخل الصراعات العائلية، ليصل حد القتل، وحينها تصبح إمكانيات الحل والتدخل أصعب اضعاف المرات مما لو بدأت في محاولات الحل للإشكاليات وهي فردية ودائرة المشاركين فيها صغيرة.

ما تشهده قرية وكفرمندا من شجارات وعنف متواصل منذ أكثر من عام (بسبب الصراع المستمر على السيطرة على السلطة المحلية!)، يتحول لكابوس ومسلسل من المشاجرات العائلية التي يشارك المئات من شباب البلدة فيها، لتدخل القرية في قائمة البلدات المنكوبة بالنزاعات الضاربة للجذور، بما يحد او يقلل من امكانيات حلها قبل أن تتفاقم لجرائم قتل لا سمح الله.

هذه النماذج وغيرها الكثير من "الصراعات العائلية" أو "النزاعات الداخلية" صارت أساساً  للكثير من الشجارات المتكررة في البلدات العربية، كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك ما يمكن القيام به داخلياً لتحصين مجتمعنا وتخليصه من بعض أزماته الداخلية والعمل على نزع فتيل التوتر والنزاعات وحلها، قبل ان تتأزم وتتضاعف عواقبها.  

لنترك تركيزنا على اتهام الشرطة فقط، دون أن نعفيها من مسؤولياتها ونواصل مطالبتها بما هو واجب عليها. لنعمل على إحياء بعضاً من تراث الإصلاح ومجموعات الحماية والاحتكام المجتمعي العاقل والموَّجَه، من خلال بناء الوسائل الأهلية البديلة، كالوساطة والتحكيم والإصلاح، وتطوير كل ما يمكن من الوسائل الأهلية والمجتمعية الملائمة لحل النزاعات ووأد الخلافات في مهدها. علينا ان نعمل على تسخير القدرات المجتمعية الاكاديمية والمهنية الكامنة وتجنيدها وتنظيمها في عملية حماية السلم المجتمعي والأمن الأهلي. إضافة الى العمل على زيادة الفعاليات الثقافية غير المنهجية، واشراك كافة القطاعات الشبابية والمجتمعية بهدف ترسيخ ثقافة احترام التعددية والاختلاف، والتربية للحوار وأساليب حل الصراعات والخلافات سلمياً. وهذا دورٌ يمكن للأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية والتربوية المحلية والقطرية، والمجالس المحلية واللجان الشعبية والأهلية، العمل من أجله، لخلق التوافق على الآليات المناسبة، وضمان مشروعيتها المجتمعية وحاضنتها الاجتماعية والوطنية، ليس في طرعان وكفرمندا فحسب، بل في كل بلداتنا العربية.

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات