23‏/10‏/2008

"بيان العشرين والأزمة الحقيقية للسُلطة"



أثارت الأخبار القادمة من " مناطق السلطة الفلسطينية" حول اعتقال مجموعة من المثقفين والشخصيات الاجتماعية والسياسية ردود فعل محلية وعالمية, إلا أن تورط السلطة وأذرعها التنفيذية يثير عدة تساؤلات حول مستقبل العلاقة التي يريدون بناءها بين السلطة والمواطن في الدولة الفلسطينية القادمة.
والحدث كما أوردته وسائل الأعلام هو أن السلطة قامت باعتقال مجموعة من المثقفين وتم الزج بهم في المعتقلات والسجون, ووضع آخرين رهن الإقامة الجبرية – الاعتقال البيتي – ليس إلا لأنهم قاموا بالتوقيع على بيان ينددون فيه بالفساد ويطالبون بوقف حالات التسيب, بالإضافة لطرحهم لمواقفهم السياسية تجاه مجموعة من القضايا المتعلقة بالمفاوضات الجارية بين السلطة وإسرائيل وبضمنها القدس, السيادة , اللاجئين, الدولة المستقلة… وغيرها.
ممثلي السلطة ومن خلال دفاعهم عن هذه الخطوة يقولون " أن البيان يحوي في طياته إتهاماً لرموز السلطة وقيادتها بالخيانة, ويتضمن شكلاً من التحريض ضد العملية السلمية!! ( زياد أبو زياد للتلفزيون الإسرائيلي 29.11.99 ). ويحاول السيد زياد أبو زياد من خلال تبريره هذا كسب " التفهم " الإسرائيلي لهذه الخطوة التعسفية فيضيف" أن الموقعين على البيان ينتمون لفصائل أبو موسى, الشعبية, القيادة العامة , الحركة الإسلامية المعادية لعملية السلام في حين أن للسلطة التزاماً بالحفاظ على العملية السلمية "على حد تعبيره.
إن مراجعة بسيطة لردود الفعل المستهجنة على هذا البيان من قبل السلطة, وأعذروني لهذا التعبير لأني لا أجد أكثر استهجانا وغرابة من الزج بالمناضل بسام الشكعة بالإعتقال البيتي وهو المناضل الذي فشلت قوات الإحتلال وقطعان مستوطنيها عن إسكاته وأبعاده عن شعبه, وليس الزج بالمفكر عادل سمارة والمثقفين أمثال د. عبد الستار قاسم , د. عبد الرحيم كنانة, د. عفيف سلمان وغيرهم إلا ضربًا من التعسف, كما أن محاولة إسكات المناضل أحمد قطامش الذي أبى السكوت في وجه الإحتلال ودفع ثمن كلمته غالياً ليست إلا التعسف بعينه. ويظهر للمراقب عدة أمور أبرزها أن النظام السياسي الآخذ في التبلور في مناطق السلطة هو نظام قمعي.. يستند على قوات الأمن (المتعددة الاشكال والتسميات) من أجل ترسيخ سيطرته على الجمهور , ولا يتحمل النقد الكلامي, ولا يقدر على تقبل الخروج عن سياسة الأمر الواقع والصراخ بوجه الظلم , ويستعمل الاعتقال التعسفي لإسكات معارضيه. كما تثبت هذه القضية التحاليل السابقة بأن الإعتداء على حرية الكلمة وحقوق الإنسان الأساسية هي نتاج طبيعي لإتفاقية سياسية فُرضت على السلطة وأذرعها أن تعمل على حماية "عملية السلام والأمن", بالإضافة إلى إن هذه الإنتهاكات المستمرة تسير في دالة تصاعدية مستمرة فهي لا تستثني أبناء العائلات التقليدية أو المؤطرين في أحزاب سياسية وحركات المقاومة الإسلامية أو العلمانية أو حتى اعضاء المجلس التشريعي, وأن القاعدة هي أن من يخرج عن الصمت المألوف او الخط المرسوم من القيادة المتنفذه مصيره واحد بغض النظر عن خلفيته وأهدافه.
كما أن النظام السياسي الفلسطيني لن يرتدع عن الأعتداء على الحريات الديمقراطية الأساسية أمام أي تحد لهيبتها, وأن تنفيذ الوعد " كما حكمنا بيروت سنحكم الضفة والقطاع " الذي قطعته على نفسها في أول طريقها لا بد وان يأخذ مفعوله على الأقل في زمن الأزمات السياسية. !!
إن من حق الشعب الفلسطيني, ليس فقط مثقفيه وقيادته, بل أيضاً أطفاله ومشرديه ولاجئيه في مختلف أماكن تواجدهم, أن يسألوا عن الفساد المستشري (والذي يعترف به الجميع بما فيهم أطراف السلطة ) وأن تتم المساءلة على كل المستويات الشعبية والرسمية, ومن حق كل فرد في المجتمع الفلسطيني توجيه الإتهام للسُلطة ورئيسها, الذي إن كان يعرف عن الفساد ولا يصححه فهو شريك فيه ومسؤوليته أعظم, وان كان لا يعرف فانه لا يقوم بواجبه في أبسط الأحوال. واعتقد أن الاعتداء على من يكشف الحقيقة ويطالب بالمساءلة والتغيير يضعه في دائرة الشريك أو المدافع عن الغاطسين في أوحال السمسرة والفساد.
من حقنا أن نسأل عن المؤسسات وميزانياتها, وعن السياسة الإقتصادية المتبعة ومن الذي يتصرف بالأموال الداخلة إلى خزينة السُلطة, ومن حقنا أن نسأل وننبه وندعو للتعديل أو نتساءل هل يجوز لبضعة أفراد مهما كانت مؤهلاتهم أن يقرروا لهذا البلد سياستة المالية والادارية دون رقيب أو حسيب. خاصة في فترة تزايد الفقر فيها وتوسعت الهوة بين طبقة صغيرة تعيش في غنى فاحش وبين القطاعات الواسعة التي لم تعد تفكر إلا في توفير لقمة عيشها الأساسية.
وتؤكد هذه القضية من جديد انه لم يعد من المجدي توجيه إصبع الإتهام دوما نحو الإحتلال, لأن ممارسات السلطة وإسقاطاتها على الواقع الفلسطيني اليومي , بما في ذلك الفساد وممارسات القمع لن تزيد إلا من النقمة الشعبية – نقمة الفقراء – على أثرياء السلطة وما يمثلونه.
وأخيرا فأن السؤال الذي يبقى مفتوحاً, هو أي نظام سياسي نريد, هل نريد دولة شرق أوسطية أخرى .. وفق النموذج الحالي الذي توفره أنظمة الحكم في المنطقة بما في ذلك التفرد وإبعاد الشعب عن مصدر القرار والتسلط على البلد وثرواته وما يرافقه من فساد وإستبداد فاضح, أم نريد النمط الذي أستشهد الشهداء من أجله –فلسطين حره ديمقراطية تحترم الإنسان وحقوقه الديمقراطية وحرياته الأساسي؟ ويبدو أن الإجابة عن هذا السؤال في هذا الوقت بالذات ليست بيد الشعب الفلسطيني وحده لأن المجهول لا زال كثيراً, وأن الكثير من التفاعلات المستقبلية لإمكانيات الحل الدائم المطروح لا زالت مفتوحة.

بقلم : محمد زيدان: مدير المؤسسة الربية لحقوق الانسان

من أجل ثقافة أكثر إنسانية


مدخل :
لقد اكدت المواثيق والاعلانات الدولية لحقوق الإنسان على ان " حقوق المرأة والطفل الانثى(الطفلة) هي جزء ثابت متكامل لا يتجزأ من حقوق الإنسان العالمية غير القابلة للتصرف " (1) بالإضافة لتأكيدها على أن العنف ضد المرأة ينتهك ويعيق أو يبطل تمتع المرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وأن كون كافة أشكال العنف القائم على أساس نوع الجنس تعتبر أمورا تتنافى مع كرامة الإنسان وقدره .
كما أكدت هذه المواثيق على مبادئ أساسية متعلقة بعالمية حقوق الإنسان وشموليتها ومبدأ ترابط هذه الحقوق وعدم جواز تجزئتها أو الانتقائية في تنفيذها , وذلك مقابل كافة المحاولات الجارية للانتقاص من هذه الحقوق على قاعدة الخصوصيات بمختلف أنواعها ومحاولة الرجوع إلى الموروث الثقافي والاجتماعي بكافة أنواعه كمبرر للنكوص بهذه الحقوق أو التراجع عنها . وفي سياق معالجتها لقضايا المرأة وحقوقها أكدت قوانين وقيم حقوق الإنسان على مسؤولية الدولة عن تطبيق هذه المبادئ في مستوى تعزيز حقوق المرأة بالإضافة للحماية ووقف الانتهاكات حين حصولها بغض النظر عن هوية مرتكبيها .

العنف ضد المرأة :
يعتبر العنف ضد المرأة أحد أسوأ أشكال انتهاك حقوق المرأة لما يتضمنه من مسٍ بالكرامة البشرية التي هي اقدس مميزات بني البشر , والعنف ضد المرأة يعني " أي عمل من أعمال العنف القائم على نوع الجنس ترتب عليه , أو من المحتمل أن يترتب عليه, أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة ... سواء حدث ذلك في الحياه العامة أو الخاصة " (2) . يشمل العنف لذلك أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في الأسرة مثل الضرب, ختان الإناث , ضرب الزوجات وغيرها ... بالإضافة لتلك الاعتداءات التي تحدث داخل المجتمع بوجه عام مثل الاعتداءات الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي , أو التخويف في مكان العمل وغيرها .
وقد تضمنت التعريفات الواردة في الإعلان الصادر عن المؤتمر الدولي الرابع المعني بالمرأة, أيضا أعمال العنف ضد المرأة في حالات الصراع المسلح أو تلك المتعلقة بالحقوق الإنجابية بما في ذلك الإجهاض القسري أو التعقيم القسري أو وأد البنات وكافة أشكال العنف التي تحصل داخل البيت أو في المجتمع المحلي أو تلك التي يقترفها موظفو الدولة .
والعنف المسلط على المرأة لم يعد شأنها وحدها بل هو قضية من القضايا التي تهم الرجل أيضا والمجتمع بأسره بحيث يجب نقل التعامل معه من كاهل النساء إلى الحيز العام , بحيث يتوجب نقاش الظاهرة علناً وضرورة التخلص منها كأحد ابرز المظاهر الاجتماعية التي تؤثر في تطور المرأة وتمتعها بحقوق الإنسان والحريات الأساسية .
ولقد عملت منظمات حقوق الإنسان وآلياتها الدولية لفترة طويلة دون التطرق لموضوع حقوق المرأة أو للقضايا المتعلقة بتمتع النساء بحقوق الإنسان الأساسية , نتيجة للتفسيرات الضيقة لمفهوم هذه الحقوق , حيث تم التعامل مع الحق بالحياه أو الحق بالحماية من كافة أشكال التعذيب والحق بالأمن الشخصي وغيرها من الحقوق الأساسية على أنها تتعلق فقط بمن يتم انتهاك حقوقهم لأسباب سياسية فقط , أي فقط في تلك الحالات التي يكون فيها مقترف الانتهاك ممثل عن اذرعه السلطة وجهازها (الشرطة , الجيش ... ) وذلك على الرغم من أن بنود المعاهدات الدولية كانت تتحدث عن حق كل إنسان أو كل شخص دونما أن تحدد جنسه وطبيعة الأخطار التي تعيق تمتعه بهذه الحقوق .
ولقد بررت هذه المنظمات موقفها هذا بالظروف السياسية السائدة أو بمحدودبة القدرات البشرية والمهنية لها , وعدم تمكنها من التوسع لتغطية كافة انتهاكات حقوق الإنسان , الأمر الذي يؤكد أن المشكلة الأساسية كانت في المنظمات والمؤسسات نفسها وليس في مفهوم الحق أو اللغة المستعملة في الوثائق والمعاهدات الدولية.
ومع تطور هذه المؤسسات بدأ التوجه نحو تطوير مفهوم الحقوق الانتهاكات , بمعنى أن الحق بالحماية من التعذيب لم يعد حكرا للسجناء السياسيين فقط بل تجاوز نطاقه ليشمل السجناء كافةً بمعزل عن سبب سجنهم أو هوية الشخص الذي يمارس التعذيب ضدهم , كون هذا الحق متعلق بجوهر الإنسان ... كل إنسان , كذلك الأمر فإن مفهوم العنف أو التعذيب ضد النساء اصبح يدرج كانتهاك لحقوق الإنسان بغض النظر عن هوية المجرم سواء كان شرطياً أو جندياً أو زوج المرأة أو أخاها .

والسبب الآخر لتركيز منظمات حقوق الإنسان على الانتهاكات التي تقوم بها أجهزة الدولة فقط هو اعتبار المخالفة التي يقوم بها الشخص العادي ( المواطن ) هي مخالفة أو جناية بينما تعتبر مخالفة الدولة انتهاكاً لحقوق الإنسان , أي انه من الضروري توفر أدلة قاطعة على مسؤولية الدولة حتى يمكن اعتبار " المخالفة " " انتهاكاً " لحقوق الإنسان وبالتالي فلأن مرتكبي العنف البيتي هم أفراد مستقلين , فانه كان " من الطبيعي " عدم تطبيق معايير ومبادئ حقوق الإنسان على فعلتهم , إلا في تلك الحالات التي تثبت فيها مسؤولية الدولة أيضا .
وفي هذا السياق يجب التوضيح بأنه يقع على الدولة واجب حماية كل مواطنيها من الجرائم وبضمنها جرائم العنف بمختلف أشكالها , بغض النظر عن هوية مرتكبيها وعندما تتقاعس الدولة عن أداء دورها هذا , أو حين لا تتخذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية اللازمة لمنع وقوع الجريمة فإنها بذلك تحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية , بل وأنها من خلال امتناعها هذا تساهم في تشجيع الجريمة .
فمثلا لو تحدثنا عن الحق بالحياة فانه مقابل هذا الحق , هناك واجب على الدولة أن توفر الحماية للمواطنين أمام أي خطر قد يؤدي لانتهاك هذا الحق .. ومسؤولية الدولة هنا لا تقتصر على منع أفراد الشرطة أو الجيش من الاعتداء على حياه المواطن , بل تتجاوز ذلك أيضا لمسؤولياتها عن حماية المواطن من أي اعتداء يمارسه أي مواطن ضد مواطن آخر . ويجب التعامل في هذا السياق مع مسؤولية الدولة على انه أمر ملزم فكما يجب على الدولة حماية حقوق العمال في القطاع العام من التمييز فانه يتوجب عليها حماية حقوقهم أيضا من أي استغلال يواجهونه في القطاع الخاص .
ومسؤولية الدولة ليس فقط في توفير الحماية ووقف الانتهاكات حين حصولها بل أيضا يتوجب عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث الانتهاك قبل حصوله , وتقصير الدولة في ذلك يضعها أمام المسائلة على أساس المسؤولية القانونية الناجمة عن الإهمال .

الأنماط الاجتماعية والثقافية :
تلتزم الدول " بتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الإعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة " (3) وذلك إضافة لمسؤولياتها عن ملائمة قوانينها وسياساتها المحلية مع التزاماتها وفق القانون الدولي لحماية وتعزيز حقوق الإنسان . بكلمات أخرى فانه على الدولة واجب إزالة التناقض أو الاختلاف القائم بين قوانين حقوق الإنسان العالمية على من جهة , والقوانين والسياسات والأعراف المتبعة داخل أراضى هذه الدولة من جهة أخرى , وضرورة العمل للوصول لمرحلة المطابقة فيما بينها .
وتتخذ قضية ملائمة الأعراف والثقافات المحلية لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الإنسانية اهمية قصوى لما في ذلك من تأثير على تحديد الأدوار للرجل والمرأة وطبيعة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وامكانية الوصول والمشاركة في التحكم بالموارد , وبالتالي بمدى تمتع الرجل والمرأة بحقوقهم الانسانية وحرياتهم الاساسية .
فالعنف ضد المرأة هو مظهر من مظاهر علاقات القوى غير المتكافئة بين الرجل والمرأة بالاضافة الى ارتكازه على مفاهيم وتقاليد وقيم تديم تدني مكانة المرأة في الاسرة ومكان العمل والمجتمع المحلي والمجتمع ككل ومسؤولية الدولة في هذا المجال ليس وضع القوانين التي تمنع العنف وتوفر الحماية للضحايا فقط , بل ايضا الاهتمام بوضع البرامج التعليمية والتثقيفية الكفيلة بتغيير القيم السائدة حول دونية المرأة ونشر القيم المسنودة بقيم حقوق الانسان مجتمعيا.

من اجل ثقافة انسانية :
يعتبر التغيير الاجتماعي احد المهام التي يستحيل تطبيقها بفترة زمنية قصيرة , بالاضافة للاشكاليات التي تعيق تنفيذ هذا التغيير والناجمة عن التركيز على القضايا المحلية والخصوصيات بأنواعها كأمور مقدسة مجمع عليها ولا يمكن التنازل عنها بسهولة , ويأخذ هذا الادعاء حيزاً كبيرا في المواقف الداعية الى ترسيخ دونية المرأة ودوام الانتهاك لحقوقها الانسانية الاساسية . وتُبرز الادعاءات المنادية بالخصوصية الثقافية , الدينية او الوطنية ان القوانين المدنية لوحدها ليست قادرة على تغيير الواقع وانهاء الانتهاكات لحقوق المرأة .. خاصة اذا ما اصطدمت بعقلية محافظة ترفض الانفتاح والتجديد , او في ظل ظروف تنعدم فيها لغة الحوار وتسودها لغة العنف في العلاقات الاجتماعية وخاصة العائلية منها , والتي تتستر باطلا باسم الهوية والخصوصية الثقافية لتستمر بانتهاك حقوق الانسان .
دون الخوض بتفاصيل الخصوصيات, جذورها وانواعها والتطرق لقواعدها الفكرية لا بد من التأكيد على ان قيم حقوق الانسان التي ننادي بها والتي تستند الى قيم العدل , المساواه والحياه الحرة الكريمة هي نتاج للثقافة الانسانية جميعا , ولم تكن يوماً غريبة عن قيمنا وثقافتنا , وان التفسيرات السلفية التي تجتهد في ابراز التناقض بين هذه القيم وحضارتنا ليست الا محاولة لاستغلال المشاعر والزج بالدين والثقافة في علاقات صراعية مع حقوق الانسان بهدف الانتقاص من هذه الحقوق بدعوى الخصوصية.

ان ما تطرحه حركة حقوق الانسان ومؤسسات المجتمع المدني هو بلورة ثقافة بديلة اساسها انسانية النساء وتعمل على الغاء التمييز والاضطهاد الذي تكرسه مجموع القيم الثقافية السائدة التي تهدف الى اقصاء النساء عن عملية الابداع الانساني , او في احسن الاحوال حصرهن في نطاق الدور البيولوجي المسموح به بما لا يتنافى مع المتخيل الاجتماعي الخاص الذي يبدل المراجع الانسانية الكونية.
وفي هذا السياق فاننا ندعو لمفهوم حقيقي للشرف .. كقيمة اجتماعية تتجاوز كثيرا الجنس والعفة المصطنعة , الى مفاهيم الصدق والامانة والعمل المنتج والمشاركة في ادارة شؤون المجتمع والمساهمة الفاعلة في مسيرة الرقي والتنمية والبناء , هذا هو المفهوم الذي تدعو اليه ثقافتنا التي نريدها , ثقافة المساواه ضد ثقافة التمييز , وثقافة مستقبلية ضد ثقافة التحنيط , ثقافة تشرك المجتمع كله ضد ثقافة الاقصاء والابعاد , ثقافة تحقيق الذات ضد ثقافة ذوبان الفرد في المجموعة , ثقافة التسامح والتعددية ضد ثقافة الاحادية في التفكير والقرار , وثقافة الحرية ضد ثقافة الكبت وتكبيل الروح والجسد والفكر .
هذه هي الثقافة التي نريدها .. ثقافة تحرر الانسان من سجن الدور البيولوجي .. ثقافة تتعامل مع المرأة ككائن سيكولوجي واجتماعي لديه نفس قدرات الرجل على التفكير والتحليل والابتكار والابداع والعمل والقيادة والادارة واصدار الحكام وادارة شؤون الجماعة التي تعيش فيها .
ثقافة تستبدل الثقافة السائدة التي تعمق شرعية الوصاية على المرأة وتجيز للاخ قتل اخته والإعتداء على حرياتها وحقوقها الانسانية الاساسية واستبدالها , بثقافة تعتمد , حقوق الانسان كحد ادنى لا يجوز الانتقاص منه , وتكون دافعا للتطور والتغيير النوعي في السلوكيات والعلاقات بين مختلف افراد المجتمع وخاصة بين النساء والرجال .
واخيرا فان احداث هذا التغيير في السلوكيات الاجتماعية يقتضي استنهاض المثقف الغائب او المغيب الذي يجب ان يتميز بدوره الطلائعي الرافض لتكبيل الفكر والتقيد بالممنوعات " المفهومة ضمنا " , ويتجاوزها ليتحدى المجتمع ويطرح الاشكاليات ويعمق النقاش فيها ويطرح البدائل المؤسسة على الانخراط في العالمي الانساني واعتبار الخصوصية الثقافية عنصرا منها بما تحمله من قيم حضارية انسانية ورفض ما تحمله من مفاهيم رجعية غالبا ما تستخدم ضد حقوق النساء .
محمد محمود زيدان

1. إعلان فيينا – الصادر من المؤتمر العالمي لحقوق الانسان – 1993 .
2. إعلان بيجين - الصادر عن المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة 1995 .
3. المادة الخامسة – اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة .

التصويت واجب - نفذ الصبر!! - ( أو نفذ الصوت ! )

علمتنا التجارب ان حملات الانتخابات هي "معارك انتخابية" في قاموس الاحزاب السياسية، وبانها قد تكون "ام المعارك" حين يكون لهذه الانتخابات كل الاثر على مستقبلها. وبما ان "المعارك" لا تدار الا بالسلاح، فان الشعار السياسي يضحى "سلاح المعركة"، وبما ان "النصر" هو غاية المعركة، فلا بد اذاً من سلاح فتاك يشد ازر المناصرين من جهة، ويضعف قوة المنافسين من جهة اخرى. ولأن معايير النصر والهزيمة تقاس بعدد الاصوات التي تترجم لمقاعد، يصبح الحصول على اكبر عدد من الاصوات هدفاً سامياً.
"الاصوات" هي نحن الجمهور، وبما اننا نملك هذه القوة فإن على الاحزاب ان تقنعنا لماذا يجب ان نصوت اولا, ولماذا نصوت لها هي بالتحديد ونزيد من مقاعدها؟ ومقاعدها تعني قياداتها التي ستجلس على هذه المقاعد وتستفيد مما ستوفره هذه المقاعد من خدمات لجالسها وللحزب الذي ينتمي اليه.
اذا لماذا نصوت ما دام الحزب وقياداته هم المستفيدون من اصواتنا ومشاركتنا؟ وفي البحث عن اجابة مقنعة لنا... "نحن اصحاب حق الاقتراع"، يأتي الجواب طبعاً لانه هو وحده (الحزب) القادر على خدمتنا، ولانه يعبر عن افكارنا وطروحاتنا!! اذاً في المعركة كل شي مباح لتحقيق "الهدف النبيل" المتمثل بانتصار الحزب!!
مع بداية الحملة الاعلامية خرج "التجمع الوطني الديمقراطي" بشعار "المواطنة حق- التصويت واجب"، وهذا الشعار لا يعبر عن فهم خاطئ لمعنى المواطنة فحسب، بل يحمل تناقضاً مع فكر التجمع ذاته... لأن الحقوق لا ترتبط بالواجبات في الدولة الديمقراطية ... فالمواطنة حق والتصويت ايضا حق ورغم كونه حقا مشتقا من المواطنه لا انه ليس باي حالٍ من الاحوال ثمناً لها . ان طرح شعار يضع الحق مقابل الواجب من شأنه خلق الانطباع الخطير بشرعية ما تطرحه اسرائيل بان عدم مساواة العرب بالحقوق ناتج عن عدم المساواة في الواجبات!!. من جهة اخرى كيف يستوي هذا الشعار مع شعار "المقاطعة واجب" الذي طرحته الاحزاب في "معركة انتخابية سابقة.."!!. ام ان الحقوق والواجبات متغيرة وفق الاحتياجات السياسية للحزب!!!
ان مجرد الخوف من انخفاض نسبة المصوتين وارتفاع نسبة الحسم، لا يجيز بأي حال من الاحوال التلاعب في الشعارات والاستهتار بقدرة المواطن - صاحب الحق - على ما تحمله هذه الشعارات من تناقضات.

وعلى الجبهة الاخرى "للمعركة" مورست في كواليس الانتخابات الداخلية ممارسات لا تقل عن السابقة من حيث تناقض الشعار والتطبيق: حيث قامت السيدة عايدة توما بالتنازل عن ترشيحها لاحد الاماكن المضمونة في قائمة الجبهة، (بل تنازلت عدة مرات دون خوض المعركة !! – كما نشر), وعايدة توما ليست مرشحة عادية، فهي مديرة جمعية قامت بالحملة الشهيرة "نفذ الصبر"، التي بقيت شعاراتها وملصقاتها تظهر على جوانب الشوارع حتى غطتها مؤخراً بعض الملصقات الانتخابية لهذا الحزب وذاك. وكأن في ذلك تمثيلاً رمزياً لما حدث في المؤتمر الاخير للجبهة، حيث اختفت الشعارات والمبادئ امام مصالح لتحالفات قادها الرجال وشاركت بها النساء رغم الشعارات عن "اهمية مشاركة المرأة"، وضرورة انتخابها وضمان تمثيلها في اماكن مضمونة!! اي ان الحملة الاعلانية الكبيرة لم تكن كافية لاقناع اصحاب الحملة بصدق الشعار وضرورة ممارسته... فما حال الشارع والقاعدة الشعبية!! – "نفذ الصبر" !!
وهل نفهم الخطوة المتمثلة بالانسحاب غير المبرر (حتى وان كانت امكانية الفوز غير مضمونة)، والتنازل عن تثبيت المبدأ القائل بعدالة القضية وحق المرأة بالمشاركة والتنافس على القيادة، مقابل تحالفات عقدت في الكواليس لإنزال هذا المرشح او ذاك من "الذكور"... "الرجال"... "القيادات الذكورية" و"السلطة الابوية" في "اللعبة الرجولية"!! على انه تنازل ايضا عن المطالبة بتمثيل المرأة في لجنة المتابعة؟ ام ان ما يسرى على مبدأ التمثيل في برلمان اسرائيل لا يسرى على برلمان العرب!!
وكان من سخريات القدر ان تنتخب في الفترة ذاتها امرأة (عربية) في مكان مضمون في قائمة حزب العمل (الصهيوني)... ترشحت، نافست وفازت. وكعضوة في الكنيست القادمة ستكون ممثلة في لجنة المتابعة وقد تطرح نفسها ممثلة للنساء في هذه اللجنة !! . وحتى تكتمل الصورة جاء في قرارات مؤتمرالنساء الديمقراطيات الاخير ان المؤتمر "يحيي الشعب التشيلي لانتخاب امرأة لرئاسة الحكومة"، وانه – المؤتمر - "يدعو النساء العربيات للمشاركة في العملية الانتخابية بالادلاء باصواتهن"، اي ان ما يسري على المرأة في تشيلي لا يسري على النساء العربيات اللواتي تم تحديد ادوارهن (النمطية) بالادلاء بأصواتهن فقط , دون الحديث عن الحق بالترشيح والمنافسة على القيادة!!
واخيراً نتمنى انه كما وضعت الانسانية قوانين دولية تضبط ايقاع "المعارك" وتحرم استعمال بعض الاسلحة، فإن معايير الصدق والاستقامة والاخلاق، وضعت لتضبط تصرفات الناس والاحزاب في المعارك السياسية. ولكنه يبدو انه كما تقوم الدول والجيوش بخرق الاولى، فإن الاحزاب وصناع السياسة يخرقون الثانية ويدوسونها... وفي الاولى تكون جرائم الحرب عرضة للمحاكم الدولية، وفي الثانية لا توجد ادوات سوى تنظيم انفسنا كمجتمع وشعب يحترم قاعدته ويضبط قيادته بمنظومة نقوم نحن ببناءها خارج المنظومة المفروضة علينا في كنيست اسرائيل اليهودية.
محمد محمود زيدان

21‏/10‏/2008

PalCast Vedeo شاهد هذا الفيديو

January 28th, 2008 PalCast Video

Mohammed Zeidan, the director of the Arab Human Rights Association, speaks about the status of the Palestinians in Israel.

http://www.palcast.org/2008/01/424

"ما بين حرية التعبير والتحريض على العنصرية"


ترافقت قضية نشر الكريكاتورات بالتحليلات حول حرية التعبير وحق الانسان باحترام معتقداته الدينية، وتفاوتت ردود الفعل بين مؤيد للنشر ومؤيد لردود الفعل عليها، وفي كلا الحالتين وظفت حقوق الانسان للتبرير.
ان ملخص حرية التعبير يكمن بحق الفرد او المجموعة بالتعبير عن آرائها ومواقفها دون قيد، وهذا الحق يعتبر احد المركبات الاساسية للديمقراطية لانه اساسي لكشف الحقائق امام الجمهور واساساً لحماية الديقراطية، وضمان التوازن بين الاستقرار من جهة، والحق بالتغيير من جهة اخرى، اضافة لكونه اداه هامة لتحقيق الذات، وهذا الحق كباقي حقوق الانسان ليس مطلقاً ويتقيد بعدة شروط من ضمنها ما يتعلق "بالامن القومي" او "امن الجمهور"، والاخلاق العامة ومشاعر الجمهور، اضافة لحق الانسان بالخصوصية والحماية من الاهانة والمس بالكرامة.
وتخضع عملية رسم الحدود بين حرية التعبير والقيود المفروضة عليه لعملية موازنة تأخذ بعين الاعتبار كل الاعتبارات السابقة حتى لا يتم انتهاك اي من الحقوق بشكل مطلق او التمتع بها على حساب حقوق اخرى.
وفي الحديث عما حصل منذ نشر الرسومات المسيئة للرسول (صلعم) لا بد من الاشارة الى عدة عوامل هامة:
اولا: تعتبر الكثير من نظريات حقوق الانسان الاديان جزءً من ثقافة الشعوب الاصلية التي لها الاثر الكبير في صياغة حضارة الشعوب وضميرها، الامر الذي يجعلها جزءاً من الكرامة الانسانية (ام الحقوق)، ولهذا اهتزت مشاعر البوذيين- ومعهم العالم ومؤسسات حقوق الانسان العالمية والامم المتحدة عند تحطيم تماثيل بوذا في افغانستان (ليس فقط باعتبارها جزءاً من التراث العالمي).
اذا سألنا المؤمن المتدين عن مشاعره حين تمس مقدساته وتدنس، سنرى مدى الاهانة التي يشعر بها في كرامته الانسانية، وهذا الامر لا ينطبق على المسلم بل على كل مؤمن... اذاً ان ارتباط احترام الرموز الدينية بالكرامة هو امر يخترق الثقافات والمعتقدات ويجمع عليه المؤمنون في العالم، واذا كانت حقوق الانسان قد جاءت لخدمة الانسان فمن الاجدر ان تأخذ بالحسبان موقف هذه الغالبية وتحمي مصالحهم.
ثانياً: الادعاء بحرية التعبير في هذه الحالة جاء على شكل رسومات كريكاتورية مهينة، اي لم يكن هناك رأي حتى يتمكن المسلمون من الرد عليه او نقاشه، وبالتالي لا يمكن طرح القضية من باب الحوار والنقاش الديمقراطي, خاصة وان هذه الرسومات ترافقت مع اشارات واضحة لوصم الاسلام والمسلمين بالارهاب والعنف.
ثالثا: ان نشر الرسومات واعادة نشرها لاحقاً، رغم ردود الفعل العنيفة في العالم شكلت تحدياً- لا مبرر له- واضافة الوقود الى النار الملتهبة خاصة وانها لم تترافق مع مواقف واضحة للمؤسسات الرسمية وخاصة الاحزاب والحكومات ، التي تهربت من دورها وتسامحت مع النشر تحت ذريعة حرية الصحافة!! فهل كانت الحكومات سترد بالمثل لو نشرت هذه الصحف اخباراً مسيئة او مهددة للامن والاستقرار الوطني!! في هذا الشأن يصدق المسلمون في تساؤلهم حول التمييز بين تحريم التعرض للكارثة وجرائم النازية من جهة وتحليل لاهانة الرموز الاسلامية!!
رابعا: برزت خلال هذه الازمة غياب مواقف مؤسسات المجتمع المدني الاوروبية وخاصة مؤسسات حقوق الانسان الاوروبية، أللهّم فيما عدا "الشبكة الاوروبية المتوسطية لحقوق الانسان"، وهي اطار يضم حوالي 80- جمعية عربية واوروبية لحقوق الانسان، وعلى الرغم من كون ردها قد جاء متأخراً وضعيفاً حيث لم يحتوي ادانة واضحة لنشر الرسومات، في حين حمل شجباً للردود العنيفة التي لقيتها هذه الرسومات.
خامساً: ان ردود الفعل العنيفة التي رافقت مظاهرات التنديد بنشر الرسومات تؤكد على ان باب الحوار قد اضحى ضيقاً (ان وجد اصلاً)، وان الحوارات التي جرت بالماضي لم ترقى الى المستوى واكتفت بحديث النخب الدينية والثقافية، ولم تجد طريقها الى قلوب الناس وعقولهم، الامر الذي يثير التساؤلات حول جدواها ويضع الموضوع برمته للفحص قبل الاستمرار بمثل هذه اللقاءات بالمستقبل.
واخيرا: لو أخذنا بحساب الربح والخسارة للانسانية ولحقوق الانسان، لوجدنا اننا خسرنا الكثير خاصة مصداقية شعار حقوق الانسان الذي تم استغلاله في هذه المعركة بشكل سافر، حيث لا اعتقد ان ناشري الرسومات قد ربحوا شيئا من النشر، سوى اثارة الاحقاد والعنف علاوة على تأجيج العنصرية والكراهية تجاه المسلمين والاجانب في اوروبا والعالم، وفي النهاية لا بد من الاشارة الى ان ردود الفعل العنيفة التي شهدتها البلدات الاسلامية اظهرت غياب السلطة والمؤسسات الرسمية، وبعدها عن تمثيل شعوبها كونها لم تستطع القيام بشيء لارضاء شعوبها.

محمد محمود زيدان