23‏/10‏/2008

التصويت واجب - نفذ الصبر!! - ( أو نفذ الصوت ! )

علمتنا التجارب ان حملات الانتخابات هي "معارك انتخابية" في قاموس الاحزاب السياسية، وبانها قد تكون "ام المعارك" حين يكون لهذه الانتخابات كل الاثر على مستقبلها. وبما ان "المعارك" لا تدار الا بالسلاح، فان الشعار السياسي يضحى "سلاح المعركة"، وبما ان "النصر" هو غاية المعركة، فلا بد اذاً من سلاح فتاك يشد ازر المناصرين من جهة، ويضعف قوة المنافسين من جهة اخرى. ولأن معايير النصر والهزيمة تقاس بعدد الاصوات التي تترجم لمقاعد، يصبح الحصول على اكبر عدد من الاصوات هدفاً سامياً.
"الاصوات" هي نحن الجمهور، وبما اننا نملك هذه القوة فإن على الاحزاب ان تقنعنا لماذا يجب ان نصوت اولا, ولماذا نصوت لها هي بالتحديد ونزيد من مقاعدها؟ ومقاعدها تعني قياداتها التي ستجلس على هذه المقاعد وتستفيد مما ستوفره هذه المقاعد من خدمات لجالسها وللحزب الذي ينتمي اليه.
اذا لماذا نصوت ما دام الحزب وقياداته هم المستفيدون من اصواتنا ومشاركتنا؟ وفي البحث عن اجابة مقنعة لنا... "نحن اصحاب حق الاقتراع"، يأتي الجواب طبعاً لانه هو وحده (الحزب) القادر على خدمتنا، ولانه يعبر عن افكارنا وطروحاتنا!! اذاً في المعركة كل شي مباح لتحقيق "الهدف النبيل" المتمثل بانتصار الحزب!!
مع بداية الحملة الاعلامية خرج "التجمع الوطني الديمقراطي" بشعار "المواطنة حق- التصويت واجب"، وهذا الشعار لا يعبر عن فهم خاطئ لمعنى المواطنة فحسب، بل يحمل تناقضاً مع فكر التجمع ذاته... لأن الحقوق لا ترتبط بالواجبات في الدولة الديمقراطية ... فالمواطنة حق والتصويت ايضا حق ورغم كونه حقا مشتقا من المواطنه لا انه ليس باي حالٍ من الاحوال ثمناً لها . ان طرح شعار يضع الحق مقابل الواجب من شأنه خلق الانطباع الخطير بشرعية ما تطرحه اسرائيل بان عدم مساواة العرب بالحقوق ناتج عن عدم المساواة في الواجبات!!. من جهة اخرى كيف يستوي هذا الشعار مع شعار "المقاطعة واجب" الذي طرحته الاحزاب في "معركة انتخابية سابقة.."!!. ام ان الحقوق والواجبات متغيرة وفق الاحتياجات السياسية للحزب!!!
ان مجرد الخوف من انخفاض نسبة المصوتين وارتفاع نسبة الحسم، لا يجيز بأي حال من الاحوال التلاعب في الشعارات والاستهتار بقدرة المواطن - صاحب الحق - على ما تحمله هذه الشعارات من تناقضات.

وعلى الجبهة الاخرى "للمعركة" مورست في كواليس الانتخابات الداخلية ممارسات لا تقل عن السابقة من حيث تناقض الشعار والتطبيق: حيث قامت السيدة عايدة توما بالتنازل عن ترشيحها لاحد الاماكن المضمونة في قائمة الجبهة، (بل تنازلت عدة مرات دون خوض المعركة !! – كما نشر), وعايدة توما ليست مرشحة عادية، فهي مديرة جمعية قامت بالحملة الشهيرة "نفذ الصبر"، التي بقيت شعاراتها وملصقاتها تظهر على جوانب الشوارع حتى غطتها مؤخراً بعض الملصقات الانتخابية لهذا الحزب وذاك. وكأن في ذلك تمثيلاً رمزياً لما حدث في المؤتمر الاخير للجبهة، حيث اختفت الشعارات والمبادئ امام مصالح لتحالفات قادها الرجال وشاركت بها النساء رغم الشعارات عن "اهمية مشاركة المرأة"، وضرورة انتخابها وضمان تمثيلها في اماكن مضمونة!! اي ان الحملة الاعلانية الكبيرة لم تكن كافية لاقناع اصحاب الحملة بصدق الشعار وضرورة ممارسته... فما حال الشارع والقاعدة الشعبية!! – "نفذ الصبر" !!
وهل نفهم الخطوة المتمثلة بالانسحاب غير المبرر (حتى وان كانت امكانية الفوز غير مضمونة)، والتنازل عن تثبيت المبدأ القائل بعدالة القضية وحق المرأة بالمشاركة والتنافس على القيادة، مقابل تحالفات عقدت في الكواليس لإنزال هذا المرشح او ذاك من "الذكور"... "الرجال"... "القيادات الذكورية" و"السلطة الابوية" في "اللعبة الرجولية"!! على انه تنازل ايضا عن المطالبة بتمثيل المرأة في لجنة المتابعة؟ ام ان ما يسرى على مبدأ التمثيل في برلمان اسرائيل لا يسرى على برلمان العرب!!
وكان من سخريات القدر ان تنتخب في الفترة ذاتها امرأة (عربية) في مكان مضمون في قائمة حزب العمل (الصهيوني)... ترشحت، نافست وفازت. وكعضوة في الكنيست القادمة ستكون ممثلة في لجنة المتابعة وقد تطرح نفسها ممثلة للنساء في هذه اللجنة !! . وحتى تكتمل الصورة جاء في قرارات مؤتمرالنساء الديمقراطيات الاخير ان المؤتمر "يحيي الشعب التشيلي لانتخاب امرأة لرئاسة الحكومة"، وانه – المؤتمر - "يدعو النساء العربيات للمشاركة في العملية الانتخابية بالادلاء باصواتهن"، اي ان ما يسري على المرأة في تشيلي لا يسري على النساء العربيات اللواتي تم تحديد ادوارهن (النمطية) بالادلاء بأصواتهن فقط , دون الحديث عن الحق بالترشيح والمنافسة على القيادة!!
واخيراً نتمنى انه كما وضعت الانسانية قوانين دولية تضبط ايقاع "المعارك" وتحرم استعمال بعض الاسلحة، فإن معايير الصدق والاستقامة والاخلاق، وضعت لتضبط تصرفات الناس والاحزاب في المعارك السياسية. ولكنه يبدو انه كما تقوم الدول والجيوش بخرق الاولى، فإن الاحزاب وصناع السياسة يخرقون الثانية ويدوسونها... وفي الاولى تكون جرائم الحرب عرضة للمحاكم الدولية، وفي الثانية لا توجد ادوات سوى تنظيم انفسنا كمجتمع وشعب يحترم قاعدته ويضبط قيادته بمنظومة نقوم نحن ببناءها خارج المنظومة المفروضة علينا في كنيست اسرائيل اليهودية.
محمد محمود زيدان