14‏/03‏/2011

الجزيرة تدفع ثمن صوت الحقيقة بدماء أبطالها


رحل علي حسن الجابر حاملا كميرا كان آخر ما التقطته صورا لضريح المجاهد عمر المختار... اغتالته يد الجبن المرتعبة خوفا من كشف الحقيقة للعالم ... حقيقة جبن النظام ووحشية المرتزقين الملتفين حوله دفاعا عن الجريمة ذاتها... رحل مصور الجزيرة القادم من الدوحة إلى بنغازي ليتعرف على صور الحقيقة بعينه المجردة مسلحا بكاميرا وقليلا من الأوراق لتوثيق تلك الحقيقة التي كان يشاهدها من خلف شاشات "المونيتور" في استوديوهات الجزيرة بالدوحة.. حركته مهنة المصاعب وركوب الخطر أن يخرج من غرف الزجاج المكيفة إلى صحراء بنغازي الملتهبة ويلتقي المناضلين الذين رآهم من قبل ألف مرة...يلقاهم وجها لوجه ويَشتَم رائحة البارود والنار التي رآها ألف مرة عبر شاشته...

ها هي الجزيرة تدفع ثمن انحيازها للحقيقة والفقراء والحرية، تدفع ضريبة المشاركة في توثيق اللحظة وتوسيع دائرة الشاهدين على الجريمة والمشاهدين لتفاصيلها... هاهو علي حسن الجابر يغادر شهيدا لا لمهنة أدركت هذه الأيام حجم الكراهية والتحدي كما عرفتها من قبل فحسب، بل شهيدا لقراره أن يخلص لهذه المهنة ويقوم بواجبه الإنساني المشارك بنقل الحدث من ساحات حدوثه لا المتفرج على تفاصيله من بعيد فقط ... يغادر علي حسن الجابر لينضم إلى طارق أيوب ويذكرنا بسامي الحاج وتيسير علوني وغيرهم من صحافيي الجزيرة ومكاتبها التي تواجه يوميا كل أشكال التضييق وقرارات الإغلاق والحجب وإطلاق أيدي الزعران والبلطجية للاعتداء على مكاتبها وتدميرها في تلك العاصمة أو تلك المدن المتخفية كعواصم خلت من كل مفاهيم السيادة والعدالة، والتي تتخصص باغتيال الحقيقة وتخاف كاميرا الجزيرة وتخشى صحافييها أكثر من خوفها من القصف المدفعي والاجتياح العسكري. ويذكرنا بحملات التحريض المسمومة عليها وعلى طواقمها, مرورا بالحجب والتشويش وإحراق المعدات, وانتهاء بقتل صحافييها وتصفيتهم جسديا بكمائن تستهدفهم بشكل مقصود.

والجزيرة كما عهدناها منحازة للجماهير وصوت الحق لا تردعها تهديدات ولا يجزعها وعيد، تلتزم الرد على العدوان بمزيد من الإصرار على القيام بواجبها الصحفي والإنساني، لأنها ترى بالعدوان عليها عدوان على الحقيقة التي لا ثاني لها في معادلة الحرب بين الظلم والجريمة وفساد الأنظمة من جهة والعدل والحق والشعوب من جهة أخرى .. وهي ترد على العدوان شامخة مهما تعددت أشكال هذا العدوان وتلونت ألوانه

المجد والخلود للشهيد علي الجابر.. وكل التحية لزملائه المرابطين في خطوط المواجهة المتقدمة في بقاع الأرض لنقل الحقيقة وصوت الشعوب التي لم تترك لها قنوات السلطة حيزا في فضائها .. وللجزيرة وطواقمها نقول كفاكم شرفا تلك الأصوات الشريفة التي أطلقتها جماهير بنغازي بعد تشييع جثمان الشهيد البطل، وكفاكم فخرا تلك الحناجر التي رددت شعارات التحية والشكر بعد أن احتضنت شهيد الجزيرة – شهيد الحقيقة – لأنها تأتي من شعب الثورة وبسطاء الناس لا من سلاطين الظلم والاستبداد.