23‏/10‏/2008

"بيان العشرين والأزمة الحقيقية للسُلطة"



أثارت الأخبار القادمة من " مناطق السلطة الفلسطينية" حول اعتقال مجموعة من المثقفين والشخصيات الاجتماعية والسياسية ردود فعل محلية وعالمية, إلا أن تورط السلطة وأذرعها التنفيذية يثير عدة تساؤلات حول مستقبل العلاقة التي يريدون بناءها بين السلطة والمواطن في الدولة الفلسطينية القادمة.
والحدث كما أوردته وسائل الأعلام هو أن السلطة قامت باعتقال مجموعة من المثقفين وتم الزج بهم في المعتقلات والسجون, ووضع آخرين رهن الإقامة الجبرية – الاعتقال البيتي – ليس إلا لأنهم قاموا بالتوقيع على بيان ينددون فيه بالفساد ويطالبون بوقف حالات التسيب, بالإضافة لطرحهم لمواقفهم السياسية تجاه مجموعة من القضايا المتعلقة بالمفاوضات الجارية بين السلطة وإسرائيل وبضمنها القدس, السيادة , اللاجئين, الدولة المستقلة… وغيرها.
ممثلي السلطة ومن خلال دفاعهم عن هذه الخطوة يقولون " أن البيان يحوي في طياته إتهاماً لرموز السلطة وقيادتها بالخيانة, ويتضمن شكلاً من التحريض ضد العملية السلمية!! ( زياد أبو زياد للتلفزيون الإسرائيلي 29.11.99 ). ويحاول السيد زياد أبو زياد من خلال تبريره هذا كسب " التفهم " الإسرائيلي لهذه الخطوة التعسفية فيضيف" أن الموقعين على البيان ينتمون لفصائل أبو موسى, الشعبية, القيادة العامة , الحركة الإسلامية المعادية لعملية السلام في حين أن للسلطة التزاماً بالحفاظ على العملية السلمية "على حد تعبيره.
إن مراجعة بسيطة لردود الفعل المستهجنة على هذا البيان من قبل السلطة, وأعذروني لهذا التعبير لأني لا أجد أكثر استهجانا وغرابة من الزج بالمناضل بسام الشكعة بالإعتقال البيتي وهو المناضل الذي فشلت قوات الإحتلال وقطعان مستوطنيها عن إسكاته وأبعاده عن شعبه, وليس الزج بالمفكر عادل سمارة والمثقفين أمثال د. عبد الستار قاسم , د. عبد الرحيم كنانة, د. عفيف سلمان وغيرهم إلا ضربًا من التعسف, كما أن محاولة إسكات المناضل أحمد قطامش الذي أبى السكوت في وجه الإحتلال ودفع ثمن كلمته غالياً ليست إلا التعسف بعينه. ويظهر للمراقب عدة أمور أبرزها أن النظام السياسي الآخذ في التبلور في مناطق السلطة هو نظام قمعي.. يستند على قوات الأمن (المتعددة الاشكال والتسميات) من أجل ترسيخ سيطرته على الجمهور , ولا يتحمل النقد الكلامي, ولا يقدر على تقبل الخروج عن سياسة الأمر الواقع والصراخ بوجه الظلم , ويستعمل الاعتقال التعسفي لإسكات معارضيه. كما تثبت هذه القضية التحاليل السابقة بأن الإعتداء على حرية الكلمة وحقوق الإنسان الأساسية هي نتاج طبيعي لإتفاقية سياسية فُرضت على السلطة وأذرعها أن تعمل على حماية "عملية السلام والأمن", بالإضافة إلى إن هذه الإنتهاكات المستمرة تسير في دالة تصاعدية مستمرة فهي لا تستثني أبناء العائلات التقليدية أو المؤطرين في أحزاب سياسية وحركات المقاومة الإسلامية أو العلمانية أو حتى اعضاء المجلس التشريعي, وأن القاعدة هي أن من يخرج عن الصمت المألوف او الخط المرسوم من القيادة المتنفذه مصيره واحد بغض النظر عن خلفيته وأهدافه.
كما أن النظام السياسي الفلسطيني لن يرتدع عن الأعتداء على الحريات الديمقراطية الأساسية أمام أي تحد لهيبتها, وأن تنفيذ الوعد " كما حكمنا بيروت سنحكم الضفة والقطاع " الذي قطعته على نفسها في أول طريقها لا بد وان يأخذ مفعوله على الأقل في زمن الأزمات السياسية. !!
إن من حق الشعب الفلسطيني, ليس فقط مثقفيه وقيادته, بل أيضاً أطفاله ومشرديه ولاجئيه في مختلف أماكن تواجدهم, أن يسألوا عن الفساد المستشري (والذي يعترف به الجميع بما فيهم أطراف السلطة ) وأن تتم المساءلة على كل المستويات الشعبية والرسمية, ومن حق كل فرد في المجتمع الفلسطيني توجيه الإتهام للسُلطة ورئيسها, الذي إن كان يعرف عن الفساد ولا يصححه فهو شريك فيه ومسؤوليته أعظم, وان كان لا يعرف فانه لا يقوم بواجبه في أبسط الأحوال. واعتقد أن الاعتداء على من يكشف الحقيقة ويطالب بالمساءلة والتغيير يضعه في دائرة الشريك أو المدافع عن الغاطسين في أوحال السمسرة والفساد.
من حقنا أن نسأل عن المؤسسات وميزانياتها, وعن السياسة الإقتصادية المتبعة ومن الذي يتصرف بالأموال الداخلة إلى خزينة السُلطة, ومن حقنا أن نسأل وننبه وندعو للتعديل أو نتساءل هل يجوز لبضعة أفراد مهما كانت مؤهلاتهم أن يقرروا لهذا البلد سياستة المالية والادارية دون رقيب أو حسيب. خاصة في فترة تزايد الفقر فيها وتوسعت الهوة بين طبقة صغيرة تعيش في غنى فاحش وبين القطاعات الواسعة التي لم تعد تفكر إلا في توفير لقمة عيشها الأساسية.
وتؤكد هذه القضية من جديد انه لم يعد من المجدي توجيه إصبع الإتهام دوما نحو الإحتلال, لأن ممارسات السلطة وإسقاطاتها على الواقع الفلسطيني اليومي , بما في ذلك الفساد وممارسات القمع لن تزيد إلا من النقمة الشعبية – نقمة الفقراء – على أثرياء السلطة وما يمثلونه.
وأخيرا فأن السؤال الذي يبقى مفتوحاً, هو أي نظام سياسي نريد, هل نريد دولة شرق أوسطية أخرى .. وفق النموذج الحالي الذي توفره أنظمة الحكم في المنطقة بما في ذلك التفرد وإبعاد الشعب عن مصدر القرار والتسلط على البلد وثرواته وما يرافقه من فساد وإستبداد فاضح, أم نريد النمط الذي أستشهد الشهداء من أجله –فلسطين حره ديمقراطية تحترم الإنسان وحقوقه الديمقراطية وحرياته الأساسي؟ ويبدو أن الإجابة عن هذا السؤال في هذا الوقت بالذات ليست بيد الشعب الفلسطيني وحده لأن المجهول لا زال كثيراً, وأن الكثير من التفاعلات المستقبلية لإمكانيات الحل الدائم المطروح لا زالت مفتوحة.

بقلم : محمد زيدان: مدير المؤسسة الربية لحقوق الانسان