19‏/01‏/2021

 

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات



محمد زيدان 

كلمة العدد - صحيفة حديث الناس

لقد تجاوزت الكثير من الصراعات المجتمعية التي يشهدها مجتمعنا حدود "الأزمات المقبولة"، مما يمكن الصمت عليها او تجاوزها بمجرد تحميل الشرطة المسؤولية المباشرة عن تفاقمها. صحيح أن محاربة الجريمة المنظمة هي من مسؤولية الشرطة، وأن جمع السلاح المنتشر ومكافحة العنف هو من صلب مسؤوليتها المباشرة. ولكن علينا ألاّ ندفن رؤوسنا بالرمال ونتجاهل حقيقة وجود الكثير من "الصراعات" وحالات العنف والأزمات – الفردية والجماعية - التي تتأسس على خلافات وصراعات "داخلية"، لا تلقى لها أي عنوان او إطار لوأدها في المهد، ولا تجد وسائل ومحاولات لحلّها في بداياتها، مما يرشحها الى التأزيم والتفاقم لندفع بأكثر من 80 ضحية سنوية من أبناء وبنات مجتمعنا.

ما حصل مؤخرا في قرية طرعان، هو نموذج للكثير مما يحصل في مجتمعنا: إشكال "صغير" بين "عقلاء" (خلاف على الإمامة في مسجد!!)، يتجاوز المنطق وكل محرمات مجتمعنا، يتطور لإشكال "جماعي"، ليصل حد الهاوية، فيتجاوزها مدفوعاً ببعض المحرضين وصمت الغالبية، مدفوعاَ بغيا آليات جاهزة تمتلك شرعية التدخل، ينزلق بفعل التهور وتداخل الصراعات العائلية، ليصل حد القتل، وحينها تصبح إمكانيات الحل والتدخل أصعب اضعاف المرات مما لو بدأت في محاولات الحل للإشكاليات وهي فردية ودائرة المشاركين فيها صغيرة.

ما تشهده قرية وكفرمندا من شجارات وعنف متواصل منذ أكثر من عام (بسبب الصراع المستمر على السيطرة على السلطة المحلية!)، يتحول لكابوس ومسلسل من المشاجرات العائلية التي يشارك المئات من شباب البلدة فيها، لتدخل القرية في قائمة البلدات المنكوبة بالنزاعات الضاربة للجذور، بما يحد او يقلل من امكانيات حلها قبل أن تتفاقم لجرائم قتل لا سمح الله.

هذه النماذج وغيرها الكثير من "الصراعات العائلية" أو "النزاعات الداخلية" صارت أساساً  للكثير من الشجارات المتكررة في البلدات العربية، كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك ما يمكن القيام به داخلياً لتحصين مجتمعنا وتخليصه من بعض أزماته الداخلية والعمل على نزع فتيل التوتر والنزاعات وحلها، قبل ان تتأزم وتتضاعف عواقبها.  

لنترك تركيزنا على اتهام الشرطة فقط، دون أن نعفيها من مسؤولياتها ونواصل مطالبتها بما هو واجب عليها. لنعمل على إحياء بعضاً من تراث الإصلاح ومجموعات الحماية والاحتكام المجتمعي العاقل والموَّجَه، من خلال بناء الوسائل الأهلية البديلة، كالوساطة والتحكيم والإصلاح، وتطوير كل ما يمكن من الوسائل الأهلية والمجتمعية الملائمة لحل النزاعات ووأد الخلافات في مهدها. علينا ان نعمل على تسخير القدرات المجتمعية الاكاديمية والمهنية الكامنة وتجنيدها وتنظيمها في عملية حماية السلم المجتمعي والأمن الأهلي. إضافة الى العمل على زيادة الفعاليات الثقافية غير المنهجية، واشراك كافة القطاعات الشبابية والمجتمعية بهدف ترسيخ ثقافة احترام التعددية والاختلاف، والتربية للحوار وأساليب حل الصراعات والخلافات سلمياً. وهذا دورٌ يمكن للأحزاب السياسية والفعاليات المجتمعية والتربوية المحلية والقطرية، والمجالس المحلية واللجان الشعبية والأهلية، العمل من أجله، لخلق التوافق على الآليات المناسبة، وضمان مشروعيتها المجتمعية وحاضنتها الاجتماعية والوطنية، ليس في طرعان وكفرمندا فحسب، بل في كل بلداتنا العربية.

بعد تحميل الشرطة مسؤولياتها علينا تطوير أدواتنا الأهلية لحل الصراعات