19‏/01‏/2021

 

مسار تشكيل الحكومة، ومكانة العربي في الدولة اليهودية


كلمة العدد - صحيفة حديث الناس 

محمد زيدان

مع انتهاء المهلة التي يمنحها القانون لمندوبي الأحزاب الكبرى لتشكيل الحكومة أول أمس، ظهرت صورة قاتمة حملت أشكالاً متعددة من التحريض والعنصرية تجاه الأقلية الفلسطينية في البلاد. وبالوقوف عند بعض معالمها، بتجاوز "التوصيف" للحاصل (كما حصل في معظم وسائل الاعلام، العربية والعبرية) والتعمق والاستثمار بالتشخيص ومواجهة الحقيقة بدل ذلك، في محاولة للوصول لمعرفة "الوصفة" التي من شأنها ان تقودنا للتعرف على "الدواء" الفاعل لمعالجتها.

الصورة الأولى، تشكيل الكتلة اليمينية حول حزب الليكود، والتي تشكلت بشكل شبه طبيعي وسريع من غالبية الأحزاب التي تشارك بحكومة نتنياهو الأخيرة، والتي ليس بينها خلافات تمنعها من تشكيل "كتلة ال 55" التي أجمعت على استمرار نتنياهو برأس الحكومة، وضمت بالإضافة لليكود الأحزاب الدينية الحريدية، وأحزاب اليمين الاستيطاني. وتبرز خطورة هذه المجموعة (يضاف اليها حزب ليبرمان) في أن استثناء القائمة المشتركة منها، بدا "أمراً طبيعياً ومفروغاً منه". وتجسد هذه المجموعة موقف التيارات الاستيطانية، التي تركز على "يهودية الدولة" باعتبارها القيمة العليا، وبالتالي تدعم التمييز وحتى الفصل العنصري والمساس بحق المجتمع العربي ليس بالحقوق فحسب، بل بالوجود حتى كمواطنٍ غير متساوٍ في الدولة اليهودية. وبالتالي فإن تصريحات نتنياهو وليبرمان باعتبار القائمة المشتركة "خطراً وجودياً" وأعضاء الكنيست العرب "طابوراً خامساً"، تمثل أبرز تعبيرٍ عن رؤية هذا التيار ورؤيته للمجتمع الفلسطيني في البلاد، علاوة على تأييده لفكرة ضم المناطق الفلسطينية المحتلة- والتملص من أي التزام ممكن ان يؤدي لدولة فلسطينية مستقلة الى جانب إسرائيل.

الصورة الثانية، التيار المتشكل حول "حزب الجنرالات"، والذي يشمل تحالف "كحول لافان" مع العمل، ميرتس وبراك، ودعم ترشيح الجنرال جانتس لرئاسة الحكومة. هذا التيار الذي ضم بالإضافة للجنرالات (ممثلي المؤسسة العسكرية) ممثلين من الصهيونية الليبرالية (يمين، مركز ويسار صهيوني). هذا التيار يرى أن قيادة اليمين للدولة قد أدت لأزماتها الداخلية المتمثلة بسيطرة التيارات الدينية المتزمتة على المال والحيز المدني العام في الدولة، إضافة لتهديد علاقات الدولة مع دول العالم. وأن استمرار هذا الوضع يمكن ان يمس أيضا بعلاقة إسرائيل مع الجاليات اليهودية المؤثرة في الولايات المتحدة وأوروبا. تنظر هذه المجموعة الى مكانة الأقلية الفلسطينية في البلاد، من زاوية الحفاظ على الصورة التي تبدو فيها إسرائيل امام العالم "كدولة ديمقراطية" وجزءً فاعلاً من منظومة الدول الغربية الليبرالية المتحضرة، وبالتالي فإنها مع تركيزها على أهمية الحفاظ على "الطابع اليهودي" والصهيوني لمنظومة الحكم، فإنها لا تمانع بمشاركة "الأقليات" في الحكم- على ان تبقى هذه المشاركة شكلية، ولا تتحدى جوهر الدولة اليهودية، ودوام حكم الغالبية الصهيونية فيها.

ان الصورة المرتسمة من اقتصار الساحة السياسية الإسرائيلية على هذه الخيارات في تعاملها مع القائمة المشتركة، تعني ان النواب العرب هم خارج "اللعبة السياسية" وفق كل السيناريوهات، وأن تأثيرهم الممكن محصور إما باستعمالهم من التيار الثاني فزاعة، لتخويف التيار الأول ودفعه للدخول في حكومة "وحدة وطنية - يهودية" تجمع مصالح التيارين، وإما استعمالهم كفزاعة من التيار الأول للتحريض على التيار الثاني وخياراته السياسية والدفع به الى أحضان "حكومة الوحدة الوطنية- اليهودية" أيضاً، وفي كلا الحالتين يبقى هامش المناورة والمبادرة امام المشتركة محدوداً! ويبقى تأثيرها الافتراضي محدوداً أيضاً.

كل هذه السيناريوهات القاتمة، وامكانيات ازديادها سوءً إذا ما جرت جولة انتخابات ثالثة، تعني ان من واجب المؤسسات التمثيلية وبرأسها "لجنة المتابعة العليا" بالتعاون مع "القائمة المشتركة" و"لجنة الرؤساء" العمل من أجل التحضير لعقد "مؤتمر وطني" واسع، لصياغة "البرنامج الوطني" الشامل، لنتصرف كشعب أصلاني (وليس "كمصوتين" او "أقليات" متفسخة)، وأن نقرر ونرسم معالم دوائر التأثير التي تناسب هذا البرنامج وتساهم بتحقيقه وفق خطة عمل شاملة، تشمل استعمال الأدوات النضالية الملائمة، وبضمنها المحلية، البرلمانية، والدولية، والبحث عن بدائلها اذا لزم- ليس من أجل التأثير على السياسة الاسرائيلية وتحصيل الحقوق المدنية والجماعية فحسب، بل من اجل الاستعداد لمرحلة قادمة آخذة بالتشكّل بدعم من الاتجاه السائد بسيطرة التيارات المتطرفة على النظام السياسي، في الحكومة والبرلمان وجهاز القضاء، علاوةً على ازدياد نفوذها في مفاتيح الحكم ومؤسساته، كما في الجيش والشرطة والأكاديميا ومنظمات المجتمع المدني المتجندة لخدمة الأجندات اليمينية والفاشية.