19‏/01‏/2021

 


المرافعة الدولية، بين عبث السياسة وفعل القانون!



محمد زيدان

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

كثيرا ما حملت عناوين البيانات الصحفية لنشاط الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، اخباراً تفيد بتوسيع دائرة العمل وأساليب النضال لتشمل "المرافعة الدولية" أو "التدويل"، باعتبارها أداة نضالية غابت عن "صندوق معدات العمل"، وحتى تم تغييبها عمداً، نتيجة القصور عن فهمها وفهم أبعادها وطرق تنفيذها بنجاعة وتأثير. واقتصر العمل لفترة طويلة على بعض المؤسسات الأهلية التي غردت خارج السرب بعد أن اثبتت تجاربها عجز الآليات المحلية المستعملة (البرلمانية والقضائية وغيرها) عن تحقيق الأهداف المرجوة من المرافعة امامها.

وقد شهد الأسبوع الأخير الإعلان عن حدثين جسدا نموذجين مختلفين من هذا العمل، يمكن الاستفادة من الدروس المستخلصة منهما، لتنجيع الاستعمال المتزايد لهذه الآلية:  

فشل مجلس الأمن، رأس الهرم في جلسته حول القضية الفلسطينية

يمثل مجلس الامن الدولي رأس الهرم الفاعل في الأمم المتحدة لمناقشة قضايا "الأمن والسلم العالمي"، باعتباره صاحب القرارات النافذة والملزمة، لكنه يمثل زبدة نتاج الحرب العالمية الثانية، وما تأسس من بعدها في النظام العالمي، لحماية مصالح الدول المنتصرة التي احتكرت لنفسها العضوية الدائمة في المجلس وحق النقض الفيتو (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا). وبالتالي فإن خضوع المجلس للابتزاز من هذه الدول، واستغلال موازين القوى بين المعسكرات الناشئة، هو أمر يجب التعامل معه لمن يقرع أبواب هذا المجلس، الذي فشل حتى اليوم بتنفيذ الكثير من قراراته الجادة بالقضية الفلسطينية.

هذا الأسبوع شهدنا خطاب الرئيس الفلسطيني أمام المجلس في جلسته، التي تحولت بعد الفشل الفلسطيني بجمع التأييد الكافي لتقديم "اقتراح قرار" يصوت المجلس عليه، تحولت لما يعرف بجلسة "الإحاطة"، وهي جلسة استماع عامة لتبادل معلومات ومواقف لا أكثر، ولا يصدر عنها سوى بيان يرصد أبرز ما جاء بها، تنشره الأمم المتحدة على صفحاتها قبل أن يخزن في ارشيفها مع ملايين الأوراق والملفات المتكدسة!

والحقيقة التي يجب المجاهرة بها، أن الجلسة كانت فشلاً ذريعا ليس للفشل الفلسطيني بجمع الدعم الكافي لتقديم اقتراح للتصويت فحسب، بل لأنها أظهرت التغير الحاصل في الميزان الدولي، وتعامل دول العالم مع مصالحها الذاتية فقط، بعيداً عن القيم العالمية والقانون الدولي، وخضوعها للضغط والتهديد الأمريكي الذي صار سيد الموقف في الأجسام الأهم في الديبلوماسية العالمية، حتى مع الدول التي طالما اعتبرت في مجموعة الأصدقاء الداعمين للحق الفلسطيني.   

ومع الأسباب الموضوعية للفشل الفلسطيني تضاف الأسباب الذاتية التي من أبرزها هزالة الخطاب الدولي، واعتماده على الإسهاب بالتحليل والخروج عن النصوص، بصيغة "اجتمعت مع ترامب، الزلمة منيح"!!، و "نسيبه ابن الحسب والنسب"، أو خطاب "رضينا بالبين، والبين ما قبل فينا!!" وغيرها من الأمثلة التي لا تصلح لتمثيل قضية بحجم قضية الشعب الفلسطيني، وتخرج عن الأعراف واللغة الدولية، علاوة على أن خطاب التباكي والمسكنة، وخطاب الضحية الضعيف "الذي جرب كل شيء ولم ينجح"، هو خطاب غير ناجع بأقل الاعتبارات، ان لم يكن مضراً ومنفراً بأغلب الأحيان، وأن ما يصلح للقاءات الجامعة العربية، لا يصلح في الدبلوماسية الدولية.

ان تحريك الرأي السياسي الدولي في عالم المصالح، يتطلب الجمع الصحيح بين تعزيز المحلي واتقان العالمي، ولن يكون الا بتفعيل عناصر القوة التي تم تحييدها منذ أوسلو، وإن الإعلان المسبق عن الاستمرار بتحييد الناس، وقمع الشارع وحراكه، يمثل تجريداً مسبقاً من سلاحٍ ناجع، ويعني الخروج للمعركة الدبلوماسية ضعيفاً مجرداً من كل عناصر القوة.

"مجلس حقوق الإنسان"، وقائمة العار للشركات

"مجلس حقوق الإنسان" هو أقل قوّة تنفيذية، لكنّه يمثل الإطار المتخصص والأهم الذي يتبع "مفوضية العليا لحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة. ومهما هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة مصداقيته، يبقى قبلة الحراكات الشعبية، والمجتمعات المدنية، كما الدول والشعوب في سعيها لتحصيل الاعتراف العالمي بعدالة قضيتها. 

أصدر المجلس هذا الأسبوع تقريراً خاصاً شمل قائمة بالشركات التي ترتبط أعمالها ونشاطاتها الاقتصادية بدعم المستوطنات والاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة. ويأتي هذا التقرير تنفيذاً للقرار الذي صدر عن المجلس منذ عام 2016، وحاولت الولايات المتحدة تأجيله ومنع صدوره، وقد طالب القرار بإعداد هذه القائمة، نشرها وحتلنتها دورياً. علماً بأن المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة، تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، كما اعتبره "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، المعتمد في العام 1998 مخالفة ترتقي لجرائم الحرب، وبالتالي فإن تعامل هذه الشركات مع الاستيطان أو دعمه يمثل دعماً ومشاركة في الجريمة الخطيرة.

إن الإصرار الفلسطيني على تجنيد الدعم الدولي، وعدم الخضوع للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية في هذه القضية، والإصرار على صدور التقرير تنفيذاً للقرار المتخذ، يمثل نموذجاً آخراً من التجربة الفلسطينية في العمل الدولي، ومثالاً لترابط عمل الجمعيات الحقوقية والدبلوماسية الفلسطينية، للاستفادة مما يتيحه هذا النظام من أدوات ناجعة، إن أحسنت الأطراف استعمالها بمهنية والتزام وشجاعة.

(محمد زيدان – طاقم التحرير)