19‏/01‏/2021

 الإعلام وحاجة مجتمعنا للدعم والخدمات النفسية والاجتماعية



محمد زيدان 

كلمة العدد صحيفة حديث الناس

تناقلت وسائل الاعلام والمواقع الإخبارية المحلية قبل أيام خبراً مفاده قيام والدة من إحدى القرى بطعن طفلها، ومحاولة الانتحار بعد ذلك. ورغم ان الخبر لم يكن من تلك الأخبار التي أضحت للأسف اعتيادية في مجتمعنا وبلداتنا، الا انه يمثل إشارة حمراء وناقوساً قَرَعَ قضية قلّما يتم تناولها والتعمق بها في إعلامنا أو مؤسساتنا الأهلية على اختلاف اهتماماتها.

عندما يكون الحديث عن "حالات الانتحار" على سبيل المثال، اعتادت وسائل الإعلام التحدث عنها تحت عنوان "الموت بظروف تراجيدية"!!، ووضعها تحت باب الأخبار القصيرة، دون ان تبذل جهداً معقولاً لتوضيح تلك "الظروف" التي تحمل طالباً او امرأةً او شاباً لوضع حدٍ لحياته التي لم تبدأ بعد! وبشكل عام لا يحتوي النشر المعلومات الكافية لفهم تفاصيل الحادث وحيثياته الحقيقية. وكما الكثير من القضايا الاجتماعية الهامة، فإن "القضايا النفسية"، يتم أيضاً "كنسها تحت السجادة"، والتغاضي عنها، ولا يتم إفراد مساحةٍ كافية لمعالجتها ونشرها في إعلامنا بشكل بارز، مما يحرم مجتمعنا ليس من حقه بالمعرفة فحسب، بل والأخطر من ذلك حقه بالاستفادة من هذه القضية من أجل التوعية وتحصين افراده، لمنع حالة الانتحار التالية او الجريمة القادمة.

علينا ان نبدأ بالتعامل مع "مشاكلنا الاجتماعية" وضغوطاتنا النفسية باعتبارها أحد المسببات الأساسية لازدياد حالات العنف المستشري في بلداتنا العربية. والتعامل مع الجرائم التي تنتج عنها بشكل جدي ومسؤول، فهي ليست مجرد "جريمة أخرى"، ولا يجب ان تكون رقماً يُضاف لقائمة الجرائم التي تعصف بمجتمعنا على اختلاف انتماءاته.  وعلينا الاعتراف بوجود أمور قد يستبعد العقل السَويّ حدوثها داخل بيوتنا أو في علاقتنا العائلية "التقليدية"، كعلاقة الأم بأطفالها وعلاقة الأبناء بوالديهم.

 علينا ان نعترف ان تغيرات بنيوية وهامة، حصلت نتيجة ضغوطات الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية التي تضرب غالبية عائلاتنا العربية، وبضمنها تراكم الديون والقروض وتزايد احتياجات نمط الحياة الاستهلاكية، مقابل تراجع المدخولات. وانه يمكن لمشكلات العمل او الدراسة، او التعقيدات والمشاكل الأسرية بين الأزواج، او الاختلافات والخلافات بين الآباء والأبناء وتغيرات نمط الحياة وغيرها، أن تؤدي لخلق ضغوطات نفسية قد لا يعرف البعض التعامل معها بشكل نسبي ومقبول. وعلينا ان ندرك أنّ حصول هذه التراكمات والتغيرات يتزامن مع تقلّص هامش الدعم المجتمعي والعائلي التقليدي الذي وفر بالماضي مساحات "لتفريغ الطاقات السلبية" وتقديم الدعم والنصح الكفيل بتجاوزها.

ان الحديث عن هذه الضغوطات والمشاكل النفسية في فضاءات الإعلام المختلفة، وبضمنها مواقع التواصل الإجتماعي، دون خجل ومواربة وبشكل مسؤول، يمكنه أن يساهم بتوفير مناخٍ مريحٍ لمعالجة هذه المشاكل والتعامل معها بطريقة علمية وإيجابية، قبل استفحالها لتصل حدّ الجريمة. ومع توفر الشرعية المجتمعية يصبح الباب مفتوحاَ أيضا للمطالبة بتوفير الأطر المهنية المناسبة لمعالجة هذه المشاكل والازمات، ليس باعتباره حاجةً فحسب، وانما حقاً من حقوق الفرد على مجتمعه، علاوة على كونه حقاً من حقوق الإنسان والمواطن الأساسية التي لا يمكننا الاستمرار بتجاهله والتعامل معه "كنقيصةٍ" أو إهانة لمن يحتاجه او يعمل من اجله.

وأخيرا فإن الأبحاث والتجارب العلمية تؤكد أن الدعم العائلي والاحتواء، وتوفير أدوات المساندة من المحيط الاجتماعي، تمثل العامل الأوّل للعلاج، كما أن توفير أجواء المصارحة داخل البيت الواحد وحماية الشرعية لكل فرد لمشاركة مشاعره الإنسانية وتقبلها كما هي، بالإضافة للتخلص من "الأفكار النمطية" المسبقة والهدامة، من شأنه أن يفتح الباب أمام من يحتاج للتوجه للمرافقة الطبية أو المهنية المختصة، دون تردد أو خوف أو خجل من العواقب الاجتماعية التي يمكن أن يواجهها نتيجة ذلك.